هذا كتاب أراده المؤلف: سلمان بن محمد العمري، معالجة لمشكلة اجتماعية، اتسع بابها وبرزت مشكلاتها، تتقوّض بسببها دعائم بيوت وتفرقت أُسر، حيث يتأتم أطفال، رغم وجود الأبوين، وقد ينحرف الأولاد لانفصام عُرى الحصانة الأسرية، وفقدان رقابة الوالدين بهذه المشكلة.
والسبب الذي دفع المؤلف للغوص في هذا البحر قد أبانه في رسالة الإهداء، حيث قال: لا شك أن ما يؤلم المسلم، أن يرى الأُسر تتساقط لبنة لبنة، يحل فيها النزاع والخلاف بسبب واه، وتصل الأمور إلى الشحناء والبغضاء، ثم الفراق المقيت: أسرة تتحطم على صخرة الوهم، ودمار يكون بسبب كلمة من دون قصدٍ، وسوء تفاهم، تنفض به عُرى الأسرة.
ظاهرة آلمتني فبينت حجمها واتجاهها وعواملها وآثارها، وعلاجها بهذا المؤلف «ظاهرة الطلاق في المجتمع السعودي»، وذلك من خلال دراسة علمية ميدانية، تشخيصية ولعلي بذلك أكون قد أسهمت في خدمة وطني وإخوتي.أ.هـ.
قدم الإهداء لوالديه رحمهما الله التي لقنتني أدبها وتعلمت في مدرستها معنى العصامية، (ونراه هنا يوجه الإهداء لاثنين ترحماً عليهما، ثم خص واحدة بالفضل، وليته أبان هذا الإجمال، حتى لا يترك تساؤلا للقارئ، أو هي غلظة طباعية فتصحح) ثُم ساق الإهداء إلى زوجته وأولاده.
تلا ذلك المقدمة التي أبان فيها: أن الطلاق أبغض الحلال إلى الله، ولم يوضح ما إذا كان حديثاُ فيوثقه أو هو قول مأثور؟!
وقد استغرقت هذه المقدمة خمس صفحات، أبان فيها: محاولة الكشف عن آثار التغييرات الاجتماعية والاقصادية والثقافية التي مر بها المجتمع السعودي، على تزايد معدلات الطلاق، ومدى إمكانية تقديم الحلول لمحاولة الحد من هذه الظاهرة وآثارها المدمرة للفرد والمجتمع والأسرة (ص7). ولم يتطرق لما في الإسلام من علاج.
وعن الأهمية التطبيقية للدراسة التي بذل فيها جهداً، فقد رأى التصدي لها كمشكلة اجتماعية وفقا للدراسة التي رسمها، في خطة البحث، الذي جعله في ثمانية فصول، ثم ختم هذه المقدمة بالشكر لمن ساهم في إنجاح الدراسة سواء في جمع الوثائق والدراسات والصحف والمجلات، أو من ساعد في جمع البيانات الميدانية، أو القائمين على الجهاز القضائي بالمملكة العربية السعودية (ص9).
ويرى في الموضوع: أن المجتمع قد تغير عن ذي قبل، بما مرّت به عملية التحليل التاريخي والتغير الاجتماعي وعوامل وظروف اجتماعية واقتصادية أخرى، زدْ على ذلك بانتشار التعليم الرسمي، وغير الرسمي، ووسائل الإعلام التي قرّبت البعيد، وأوجز التغيرات الساسية التي مست المجتمع في خمس حالات هي:
1 - التحول في البناء السكاني.
2 - تعقد البناء الحضري.
3 - تغير البناء المهني.
4 - تغير الأنساق القمية.
5 - تغير بناء الأسرة ووظائفها.
- ويرى أن الأسرة السعودية قد تغير حالها وامتد هذا الأمر إلى الأفراد والذي كان من أهم ما فيه: استقلالية المرأة لاختيار شريك الحياة، ثم بالنسبة لأدوارها الأسرية، بشكل عام حيث يعد تعليم المرأة -في نظره- أهم مظاهر التغير الاجتماعي، في المجتمع السعودي (ص11015).
وقد بنى دراسته في ظاهرة الطلاق بالمجتمع السعودي، على إحصائيات أخيرة بيّنت أن هذا المجتمع يُشهّر حالة طلاق واحدة كل 40 دقيقة، بمعدل 33 حالة يومياً و(12192) في العام، وهذه تسجّل ارتفاعاً مخيفاً وقد أعاد الأسباب إلى 20 سبباً أو تزيد، منها: تدخل الأهل، أو عدم التحري فترة الخطوبة، أو الإكراه على الزواج، أو إصرار الزوجة على الدراسة ومواصلتها، أو عدم رغبة الزوجة في العيش مع أهل الزوج، أو سوء العشرة من أحد الزوجين، أو عدم العدل بين الزوجات، وكل واحدة من هذه الحالات أو أكثر تتسبب في الطلاق (ص16-18).
وقد صاغ مشكلة البحث في تساؤلات هي:
1 - ما حجم ظاهرة الطلاق واتجاهاتها؟
2 - ما عوامل ظاهرة الطلاق في المجتمع السعودي؟
3 - ما هي الآثار الاجتماعية والاقتصادية للمطلقين؟
4 - ما الآثار الناجمة عن الطلاق على المطلقين؟
5 - ما الأسباب والتدابير الوقائية والعلاجية لظاهرة الطلاق في المجتمع السعودي (21-22).
وقد جعل دراسته هذه في ثمانية فصول هي:
الفصل الأول: الإطار النظري للدراسة.
الثاني: الدراسات السابقة للموضوع.
الثالث: الإطار المنهجي للدراسة.
الرابع : حجم ظاهرة الطلاق وتطورها عالمياً.
الخامس: خصائص المطلقين في المجتمع السعودي.
السادس: أسباب الطلاق في المجتمع السعودي.
السابع: آثار الطلاق في المجتمع السعودي.
الثامن : خلاصة نتائج الدراسة والتوصيات.
- وقد جعل تحت بعض هذه الفصول جزئيات، تفند الإطار المنهجي لدراسته، ثم ألحق بحثه هذا بقائمة للمراجع العربية بلغت 38 مرجعاً، ثم قائمة بعناوين المقالات التي استقى منها بحثه في: الصحف والمجلات: محلية وعربية بلغت 103 صحيفة، أما المراجع الأجنبية من غير العربية فبلغت (7) مراجع.
- أما استمارة البحث فقد جعل هدفه فيها الاستطلاع بالتطبيق على مجموعة من المطلقين السعوديين في مدينة الرياض على المتزوجين حالياً أو الذين دخلوا في تجربة الطلاق مرة واحدة على الأقل، ووزع الاستمارات على حالات ومسميات عديدة، منها آثار الطلاق ومسبباته، وجعل من ذلك 50 سببا، وجعل لكل سبب خانتين، ينطبق أو لا ينطبق، ليؤشر لكل مشارك على الحالة التي تلائمه، وجعل الاستخدام للباحث فقط.
وقد كان حريصا على التأني والتثبت في النتائج، التي بنى عليها الخلاصة في فصله الثامن والأخير، خلاصة نتائج الدراسات والتوصيات، ورصد ذلك في مبحثين الأول خلاصة نتائج الدراسة من ص301 - 314، والمبحث الثاني: التوصيات وهي من شقين الأول: الجانب الوقائق من ص315 - 322، والثاني: الجانب العلاجي من ص323 - 326).
ولما كان الكتاب في جملته قد احتوى على معالجة مشكلة اجتماعية، بدأت تتفاقم في المجتمعات: عربية وأجنبية وخاصة في المملكة العربية السعودية فإنه قد بذل جهداً في التعرف على مشكلة الطلاق، وآثارها على الفرد: ذكر أو أنثى، وعلى الناشئة في حداثة أسنانهم، بمنهج حَرَصَ فيه على تتبع السبب، ومن ثم المشاركة بوصف العلاج، مما يراه معينا على تضييق الهوة في الأسرة لذا فإننا سنختار التركيز.
على الجانب العلاجي الذي ختم به الكتاب، لنأخذ منه ما يتلاءم مع الحيز المتاح، وإلا فإن الكتاب متماسك المعلومات كالحلقة لا يُدرى أين طرفاها. فهو يقول مستأنسا بما وصل إليه من المصادر الكثيرة والاستبانات: فقد جعل الجانب العلاجي في 12 مادة نأخذ فيها:
1 - استحداث برامج علاجية، تستهدف الزوجين، والعلاج الأسري والعائلين يزود بالمختصين في علم النفس لطفل.
2 - إنشاء صندوق للمطلقات وتدريبهن مهنياً، وتحويلهن إلى عنصر منتج، وليس استهلاكي اتكالي، ويكون هذا الصندوق لتأمين سكنهن وغذائهن، ودوائهن وملابسهن.
3 - إقامة مركز خاص برعاية المطلقات فقط، ويتم إنشاء فصول للتدريب المهني للمطلقات في الخياطة والتطريز والآلة الكاتبة.
4 - معالجة وإزالة ما قد يترسب في أذهانهن، وما يعلق فيها من آثار سلبية، ناجمة عن الطلاق، ونظرة المجتمع نحوهن.
5 - الاهتمام بأسر المطلقات من حيث: توفير سُبل العيش الكريم، لهن ولأولادهن.
6 - إنشاء دور للحضانة وروضات الأطفال، خاصة بأطفال الأسر المفككة والمطلقات، وتزويدهم ببرامج عن الرعاية الاجتماعية والنفسية، حتى لا يتحولوا إلى أحداث يخرقون أهدافاً ومبادئ المجتمع بانحرافهم.
7 - علاج المشكلات والمنازعات الأسرية في المجتمع مع الاستفادة من الخبرات في المجال الأسري، في الدول الإسلامية.
8 - قيام وكالة الضمان الاجتماعي، بتأسيس صندوق طوارئ لتقديم مساعدات عاجلة، للمطلقات، اللواتي يعشن مع والديهن، من ذوي الظروف المالية الصعبة.
9 - ضرورة تدشين وثيقة للطلاق تحافظ على حقوق المطلقة، من متعة وسكن ونفقة وحضانة للأولاد، مع أهمية حضور المرأة ساعة الطلاق عند القاضي، حتى يعرفها: حقوقها وواجباتها.
وهذه الأمور جيدة إذا دخلت مجال التنفيذ، والجهات المعنية بذلك لإعطاء المطلقة حقها بواسطة المحامي، فالكتاب جيد الطرح، وفيه آراء ونصائح ونتائج، تحفظ حقوق المطلقة خاصة، وتخفف من تسلط الرجل مع هضمه حق المرأة، والله قد جعل للمرأة حقوقاً يتعامى عنها بعض الرجال.
ولعل الداعي للطلاق عند بعض الرجال الذين يتهاونون به، ويحجمون عن الطلاق من أجل ذلك، ويزول بتنازل الطرفين عن المنازعات، الموجبة للطلاق، ومن انفصام الأسرة وما وراء ذلك من مشكلات عديدة.
وحبذا لو شُجع الزوجان على اقتناء الكتب التي تحث على السعادة الزوجية، وحسن العشرة والتغاضي عن الهفوات ليكون رافداً في الوئام، والتآلف، لقدوم العشرة لأن العيوب والنقص، من سمات البشر، ولا كامل إلا وجه الله، والكتاب في مجمله جيد ومفيد، وحبذا لو ختمه بنصائح للتغاضي عن الهوفا التي يكبرها الشيطان بالمتنازع، إذ أنبياء الله وهم القدوة الصالحة من هذه الأمة، يحصل لهم مع زوجاتهم خلافات لا تتطور للطلاق حيث يصبرون ويعالجون الأمر برفق، ولنا فيهم أسوة حسنة، وللعلماء منهج في الحرص على تطبيق مضمون الآية: {فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا} (النساء: 35) وهذا لدرء الشقاق وتقريب وجهات النظر والنصح.