ستيف جوب بن عبدالفتاح هو المؤسس والمدير التنفيذي لشركة (أبل)، مات وعمره ستة وخمسون عاماً بعد صراع مع المرض، والده سوري الجنسية من حمص، ذهب إلى الولايات المتحدة ودرس السياسة، ورُزق هو وزوجته الأمريكية الجنسية بطريقة غير شرعية بطفل، ونظراً لظروف اجتماعية فقد تبنته أسرة جوبز بعد تخلي والديه عنه، ولم يستطع مواصلة دراسته الجامعية، فبدأ في تكوين شركته العملاقة داخل موقف للسيارات، وكان جُلّ أمله أن يزور الهند، فزارها وعاد وعليه الجلباب الهندي، واعتنق البوذية، وكبرت شركته حتى أصبحت أكبر شركة في العالم من حيث القيمة؛ إذ وصلت قيمتها السوقية إلى ثلاثمائة وخمسين مليار دولار. وانتشر إبداعه عبر (أبل) حتى أصبح الـ(آي فون) في أيدي معظم البشر في أنحاء العالم، وقدم للبشرية خدمة عظيمة استفادت منها استفادة عملية، وساعدت على الكثير من الإنجازات المهمة. أذكر ذلك وقد تذكرت رجلين جئت على ذكرهما في كتابي الأخير «مباهج الأندلس»، هما أبو علي إدريس بن اليماني العبدري اليابسي، وهو ابن عصره؛ يترزق بشعره، يتردد على ملوك الطوائف جارياً في أهوائهم جري الماء في الغصن الرطيب، لا يقول شعراً إلا بثمن معلوم مقدماً، ويقال إنه لا يضمن قصيدته رسالة إلا بمائة دينار. ودخل ذات مرة على المعتمد بن عباد فطلب منه ابن عباد أن يقول قصيدة يعارض فيها تلك القصيدة السينية التي مدح بها آل حمود فقال له: «إشارتي مفهومة، وبنات صدري كريمة، فمن أراد أن ينكح بكرها فقد عرف مهرها».
وأقول: يا له من شاعر كثير البوائق، شكس الخلائق، لا يستحي أن يشترط على حاكم أديب شاعر كالمعتمد أن يدفع المبلغ المعلوم قبل قول قصيدة يمدحه بها. وهذا الأديب الشاعر متميز بشعره، وبشراسة قوله وفعله، ومع هذا فله في الشعر مقدار وغرائب وأخبار. ومن شعره في امرأة قبلها:
قبلة كانت على دهش
أذهبت ما بي من العطش
ولها في القلب منزلة
لو عدتها لنفس لم تعش
ومن المناسب إيراد شيء من مباهج ولهو محمد بن مردنيش الذي خلف صهره ابن عياض القاضي. فمن مباهجه أنه كان يراقد أكثر من مائة جارية تحت لحاف واحد، وينقل لنا لسان الدين بن الخطيب قائلاً: (وكان له يومان في كل أسبوع، الاثنين والخميس، يشرب من ندمائه فيهما، ويجود على قواده، وخاصته وأجناده، ويذبح البقر فيهما، ويفرق لحومها على الأجناد، ويحضر القيان بمزاميرهن وأعوادهن، ويتخلل ذلك لهو كثير، حتى ملك القلوب من الجند، وعاملوه بغاية النصح، وربما وهب المال في مجالس أنسه. ذكر أنه استدعى يوماً ابن الأزرق أحد قواده، فشرب ومع القرابة، في مجلس قد كساه بأحمر الوشي والوطء والآنية من الفضة وغيرها، وتمادى في لهو وشراب ذلك اليوم. فلما كمل نهاره معهم، وهبهم الآنية وكل ما كان في المجلس من الوشي أو غير ذلك». لقد استفاد من ابتكار ستيف جوبز عدد هائل من البشر وبصورة عملية، أما شاعرنا وصاحبه فقد استمتع بشعره عددٌ قليلٌ ممن قرأ له واستهواه شيء مما قال، وحسبنا بالآخر ابن مردنيش الذي قتل وقتل، ولم تتجاوز خدماته شهوات نفسه، وكلٌّ ميسَّر لما خُلِق له.
والبون شاسع بين أولئك الذين خدموا أنفسهم وأولئك الذين يخدمون البشرية.