في الوقت الذي تعيش فيه المرأة السعودية عصر استرداد حقوقها، التي جاءت متأخرة مقارنة بنظيرتها في الدول العربية الأخرى، وفي الوقت ذاته فإنّ هذا التأخير معلوم الأسباب التي في مجملها ترتكز ما بين الموروثات الثقافية المتمثلة بالأعراف والتقاليد، والموروثات التراثية التي تخاف من كل ما هو جديد. هذه الموروثات تم إلباسها رداءً دينياً يستخدم بعض الأدلة الشرعية وتأويلها في غير محلها، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - «لا يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة»، إذ جاء هذا الحديث في سياق (التخصيص) لولاية ابنة كسرى خلفاً لأبيها، وجاء لهذه الحادثة بعينها وتعميمه أمر غير منطقي، وهذا ما أتى وارداً من بعض الفقهاء والمتخصصين في الشريعة، في حين بقي جزء آخر يستخدم هذا الحديث في كافة أوجه الحياة بغرض التقليل من شأن المرأة وإعاقتها عن المشاركة في الحياة العامة.
تكوّنت هذه الثقافة ضمن مفاهيم تاريخية متجذّرة تتمثّل في عزل المرأة بهدف الحفاظ عليها، باعتبارها الجنس الجالب للعار والكائن الحامل للعيب! وفي كتب التاريخ نجد لدى الثقافة اليونانية والتركية قديماً وصف المباني التي خصصت الجزء الخلفي للنساء، وإنْ كان هذا تاريخاً فهو حاضر ماثل أمامنا، في تصاميم البيوت التي تقوم من أجل المحافظة على هذا الكائن الجالب للشرور. وإنْ كان هذا هو الواقع المعاش، فإنّ التركيبة الفكرية لا تنفك بعيداً عنه وتُترجم من خلال سلوكيات ملموسة لا تختلف كثيراً عن تلك المذكورة في التاريخ من عشرات القرون. وينتج عنها (السلطوي) و (المسلوب)، والسلطوي ليس بالضرورة أن يكون (ذكراً) المهم أن يحمل الموروثات التي تنصب على الجزء الآخر وهو (المسلوب)، إذ إنّ الأول يجب أن يحمل هذه الموروثات ليكون ضمن الوحدة الاجتماعية التي تحمل فكر السلطوي، ومثال ليس ببعيد.. اعتراض - بعض - النساء على قرارات التمكين السياسي والمشاركة في الحياة العامة، هذه العينة تعترض وهي مستمتعة بكونها الجزء (المسلوب) لذا تقوم بالدورين وهي في غاية الرضا، وهذا ناتج عن السحق الاجتماعي في موروث نمت عليه وترعرعت وصارت تدافع عنه وتؤمن في غياب تام عن الثقافة الدينية - الصحيحة - بهذا الدور!
المرأة في هذا الوقت تم استخدامها في الخطاب التعبوي الذي يعارض أي خطوات إصلاحية للمجتمع أولاً قبل أن تكون للمرأة، لذا فإنّ هذا النوع من النساء تُستخدم كأدوات في قمع أنفسهن أولاً، وذلك من خلال رداء ديني ملتوي التفسير، بعيداً عن أساس الإسلام الذي أتى دون تمييز بين الناس إلاّ بدرجة تقواهم، هذه الفئة أيضاً لا تتوانى عن استخدام الفروقات البيولوجية والأدوار الأُسرية بين المرأة والرجل، خصوصاً إذا وجد أنّ تفسير النص الديني الذي يستخدمه في خطابه التعبوي ضعيف، أو أتى في مواجهة مع من هو أكثر منه علماً، فيبدأ باستخدام خطاب التقليل من المرأة بحجة طبيعتها البيولوجية والحمل والنفاس وغيره، ويتمثّل هذا في بعض النكت التي راجت بعد قرارات دخول المرأة إلى مجلس الشورى والمجالس الانتخابية، مع ذلك فإنّ هذه الطبيعة التي منحها الخالق للمرأة هي كمال لدورها العظيم في تكوين الحياة وليس تقليلاً من شأنها.
الخطاب التعبوي يزاحم يومياً صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية وحتى بريدي الشخصي، في محاولة يائسة لإبقاء المرأة في وضع التبعية والقهر النفسي، مع ذلك فإنّ هذا الخطاب لن يعدو حبراً متطايراً على أروقة الإرادة السياسية الجادة، الوضع القادم يحتاج إلى كثير من الترتيبات، وتوضيحي لهذا النوع من الخطاب جاء من أجل تجاوزه.
www.salmogren.net