عبارة يستخدمها الإعلاميون كثيراً تقول بأن القذافي مصاب بجنون العظمة، وللمعلومية فإن عبارة -جنون العظمة- ليست مصطلحاً نفسياً معتبراً بقدر ما تكون وصفاً مخترعاً من قبل الإعلاميين. فليس هنالك اضطراب مدرج في قائمة الاضطرابات النفسية يسمى جنون العظمة.
وشخصية القذافي النفسية تتلخص في معادلة بسيطة لك أن تسميها متلازمة معمر: وهي نرجسية عالية وغرور وتعالي يساعده في تحقيقها سكوباثية (عدوانية) عالية وطغيان شرس. وشخصية القذافي وصلت للحد الأعلى من النرجسية والسيكوباثية لحد ربما تدفع بذهنه أحياناً لبعث أوهام زائفة عن علو ذاته بين البشر، ولقد نمت شخصية القذافي على هذا النحو عبر طفولته وتطورت عبر مراحل، فمع كل مرحلة يحقق فيها إشباعا للنرجسية تتضاعف لديه منسوبها حتى تمخضت لهذا الحد.
وإذا أتينا على خاصية نرجسية القذافي، فهنالك من الشواهد الشيء الكثير: يقول معمر عن نفسه «أنا عميد العرب.. أنا ملك إفريقيا.. أنا صاحب النظرية العالمية الثالثة، أنا المناضل، ...، لكن... من أنتم، من أنتم..»، تجده أيضاً لا يسمي ليبيا إلا بالدولة العظمى على اعتبار أنها تضاهي مصاف الدول العظمى لأنه هو حاكمها، كذلك يرى أن ثورة الفاتح من سبتمبر «المجيدة» تمثل أهم نقلة في تاريخ البشرية حتى إنه طلب من السلطات السعودية الهتاف باسمه وباسم ثورته على منابر الحرم.
ومشكلة النرجسي تعود لأنه لا يمتلك الحس الإنساني السوي الذي يجعله يشعر بعاطفة حب الآخر والشفقة عليه، فكل طاقته للحب العطف منصبة على ذاته، وليس هنالك أدنى ذرة من حب وعطف يبعثها للآخر بما في ذلك عاطفة الأمومة - الأبوة. ظهر في حديث عبدالسلام جلود الرجل الثاني بعد القذافي يقول «لاحظت ابن القذافي سيف الإسلام عندما يريد طلباً من أبيه، أنه يمهد لطلبه بضربة تحية عسكرية لوالده، ولما قلت لسيف القذافي: لماذا تعمل ذلك وأنت في مجلس عائلي مع أبيك، أجاب: إنك تعرف جبروت أبي واستمتاعه بخضوع الآخرين له، فهو لا يلبي طلباً إلا بهذا الأسلوب).
وأكثر من هذا أن عاطفة النرجسي وعاطفة القذافي على وجه التحديد نحو الأطفال الصغار منعدمة أيضاً، فلا يشعر بنحوهم بأي حب فطري سوى جانب من المجاملات الخاوية، وفي هذا يظهر القذافي بهذه الصفة في فيديو مصور مع أطفال أبنائه، فحينما سأل القذافي حفيده الصغير: هل تحبني، قال ببراءة الأطفال: لا، إني لا أحبك. وأكثر من هذا دليل لعدم اكتراث القذافي بحب الأطفال جرأته على تسميم أطفال ليبيين أبرياء بفيروس الإيدز دون أن يشعر تجاههم بأي ندم.
وتظهر معالم النرجسي في شعوره بالفخر والاعتداد بنفسه كما هو حال القذافي لحد الاهتمام بمظهره بشكل مفرط، ولهذا يعتبر القذافي أكثر حاكم اعتنى بهندامه حتى أطلق عليه بعض الساخرين لقب الفائز بجائزة عارض الأزياء، فلا تخلو مناسبة إلا وتجد القذافي يتمظهر بتقليعة جديدة تشفي مشاعر غروره، إضافة لذلك تجد حرصه الشديد على بث صورته في كل مناسبة وغير مناسبة فلا تجد حاكماً يستعرض بصوره كما حال القذافي. أيضاً جاء اهتمامه بمدينة سرت ليس إلا لأنها مسقط رأسه فقط.
ويحاول القذافي أن يتمظهر بخلاف ما هو عليه من مشاعر الكبر كأن يسكن الخيمة ويسمي نفسه بالأخ القائد، أو العقيد كل ذلك في التحليل النفسي تمثل حيلا دفاعية يحاول أن يشعر نفسه قبل أن يشعر الآخرين من أنه إنسان متواضع وليس بمتغطرس.
وما يجدر ذكره أن التكبر لا تعني النرجسية، فليس كل متكبر هو نرجسي رغم اشتراكهم في صفة التباهي بالمظهر والمخبر، إن الفرق بين من يتظاهر بالكبر ومن هو متكبر كبراً نرجسياً، يرجع إلى أن المتكبر كبراً نرجسياً لا يشعر على الإطلاق بأدنى علامات المهادنة والإذلال حينما يهان أو يفضح سره كما أن نرجسيته مدفوعة بغطاء الهو وإمتاع الذات، هذا بخلاف من هو متكبر كبراً مظهرياً حيث يكون دافع نرجسيته هو تضخم الأنا والاعتداد بالنفس.
والشخصية النرجسية شخصية صعبة المراس وما يجعل التعامل معها أكثر تعقيداً هو عندما تكون درجة العدوانية مفرطة أو أن السادية بلغت ذروتها كما هو حال القذافي، فالقذافي يحافظ على مشاعر جبروته الطاغية عبر سادية مفرطة.
وهنا حقيقة أخرى يجب الانتباه إليها وهي الفرق بين من هو سادي نرجسي وما هو سادي غير نرجسي؛ إذ إن السادي النرجسي لا يشعر بمشاعر الرحمة حتى ولو كان المتعذب أمه أو ابنه بخلاف السادي غير النرجسي.
وإذا كانت الأشياء تعرف بأضدادها فلمعرفة خصائص شخصية النرجسي بشكل واضح يجب معرفة الشخصية المضادة لها وهي شخصية المكتئب، فإذا كان المكتئب يقع في القطب الجنوبي من المعادلة النفسية فإن النرجسي يقع في القطب الشمالي، فإذا كانت درجة ثقة المكتئب بنفسه ودرجة حبه لذاته منخفضة أو معدومة، فإن النرجسي يتمتع بأقصى درجات الاعتداد بالنفس وأقصى درجات محبة الذات، بمعنى أن مشاعر حب المكتئب لنفسه مجهضة لكنها متورمة لدى النرجسي. من جانب آخر فالمكتئب يحاط بمشاعر الدونية والخجل ولوم الذات، أما النرجسي فلا يوجد في قاموسه الانفعالي شيء من خجل أو دونية أو ملامة لذاته. ومن جانب ثالث، فالمكتئب دائماً ما يبحث عن الدعم النفسي ممن حوله أو يلجأ لطبيب نفسي، أما النرجسي فهو أبعد شخص يمكن أن يذهب لعيادة نفسية، لأن روح الثقة الغامر وزيادة منسوب مشاعر الفخر والإعجاب تجعله يشعر أنه السعيد الوحيد الأوحد الذي يستحق الحياة في هذا العالم. وقد يقول قائل إن هذه صفات النرجسية قد تكون مطلوبة، والحقيقة أنه يفتقد لحس الألفة الاجتماعية ومشاعر التراحم والتعاطف الجميلة بين الأفراد والتي هي من تعطي الحياة رونقها وجماليتها. النرجسي مثلاً لا يتمتع بصداقات حميمية ولا ذكريات اجتماعية جميلة، النرجسي مثلاً لا يبكي عند فقد عزيز، وإن بكى فهو يبكي لأن مصلحته قد توقفت بموت الآخر.
وعلى ضوء مقارنة خصائص المكتئب بخصائص النرجسي، يمكن مقارنة علاج المكتئب دوائياً بعلاج النرجسي دوائياً، فبينما يمكن علاج المكتئب دوائياً، لا يوجد على غرار ذلك علاج دوائي للنرجسي ولا يوجد في عالم الأدوية شيء اسمه مضادات النرجسية لعلاج النرجسية كما هي مضادات الاكتئاب لعلاج الاكتئاب، لأنه لا يوجد في العالم شخص نرجسي أقر بمشكلته وطلب حلاً لها. وأظن أنه لو حصل ذلك لما قام الأطباء النفسانيون بتحضير دواء يخالف مفعوله مفعول أدوية الاكتئاب، فإذا كان آلية عمل مضادات الاكتئاب تعمل على تنشيط مشابك السيوتونين 5ht، فإن مضادات النرجسية من جهة مقابلة لا بد وأن تعمل على خفضها. هذا من حيث العلاج الدوائي.
لكن ما هو أهم من العلاج الدوائي للنرجسي هو العلاج السلوكي، ومرة أخرى، لا تجد نرجسياً يطلب جلسة نفسية يتدرب على خفض مشاعر كبريائه وغروره.
إن مشكلة النرجسي لا تقوم على أن مشاعر العطف ميتة فقط بداخله، لأن الميت يلزم أنه كان حياً من قبل ثم مات، وإنما مشكلة النرجسي هي أن مشاعر العطف معدومة في أساسها، فأبسط درجات الرحمة الإنسانية أو حتى الحيوانية الفطرية وهي عاطفة الأم نحو صغارها هي في واقع الأمر غائبة عند النرجسي. وعليه فإن النرجسي حينما يوجه له إرشادات وتوجيهات نحو ضرورة الرحمة والشفقة فهو لا يستشعر بما يقال، والذي يحادث النرجسي بأخلاقيات الرحمة والتعاطف والتعاون فإنه يحادث شخصاً أصم، لأن البوابة الانفعالية التي تشعره بروح الشفقة منعدمة في أساسها، ولذا لن تصل رسالة الحث على الرحمة، فإذا كان مثلاً فاقدا حاسة البصر أو الأعمى يستحيل عليه أن يتخيل شكل اللون الأحمر مهما أسرفت له في الوصف، كذلك النرجسي لا يمكنه استشعار مشاعر الرحمة والعطف تجاه الآخرين مهما أحسنت في وعظته لأن حاسة الرحمة الفطرية تجاه الآخرين مفقودة.
وفي هذا الصدد حاول علماء علم النفس الجنائي إحياء مشاعر شفقة بعض الجناة النرجسيين الساديين الذي بلغ إجرامهم لحد كبير، ففي عرض لفلم سينمائي يحكي قصة مجرم سادي استخدام صنوف العدوان تجاه الآخرين دون أدنى لوم أو ندم سواء كانوا نساء أو أطفالا أو كبارا، يدخل مثلاً لبيت فيه عجوز مسنة ثم يضربها ويركلها ويذيقها أصناف العذاب ثم يسرق منها ما شاء أن يسرقه، فهو يستلذ بتعذيبها أكثر مما يستلذ بسرقتها. ولقد حاول علماء النفس معالجة عدوانيته نفسياً وإدخاله لبرنامج تأديبي عنيف، هدفه بث روح العطف وإيقاظ الضمير، فعرضوا عليه صوراً وأفلاما إجرامية تبين مدى ضرر الآخرين حينما يتعذبوا بعذابه دون حق، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أذلوه نفسياً وعاقبوه جسدياً بنفس القدر الذي كان يؤذي الآخرين به، وكان الهدف ليس المعاقبة بقدر ما هو إيصال رسالة لوجدانه فحواها: أيها المجرم إن الألم الذي تشعر به الآن يشعر به الآخرون غيرك الذين كنت تؤذيهم بغير حق، وحاولوا تكثيف كل ما من شأنه إيقاظ شعوره بالذنب، وبعد أن استمروا على هذا البرنامج الإذلالي الإرشادي المركز فترة طويلة، بدأ يترجاهم ويتجاوب معهم ويشعرهم بندمه وتوبته، وتيقنوا أن الرسالة وصلت إليه وأن مشاعر الذنب قد صحت عنده، وبعدما عولج من جراحاته أطلقوا سراحه، الغريب أنه بعد مضي شهر أو شهرين على خروجه وجدوه يمارس نفس السلوك العدواني الذي كان يمارسه من قبل، يعني (ما فيه فايدة).
وفي هذا جانب آخر من جوانب شخصية النرجسي هي قدرته الذكية على التظاهر والتمثيل بخلاف ما هو عليه، فيشعرك بصفات تخالف واقعه تماماً، وهذا ما لعبه القذافي حينما استمال قلوب وعطف بعض الليبيين تجاهه.
وما يتعب التعامل مع السادي خصوصاً إذا كان نرجسياً أن إصلاحه أمر مكلف وصعب أو متعذر، فالنرجسي إذا جاريته في مدحه لنفسه تعالى وتغطرس، وإذا حاولت النيل منه وتأديبه وإذلاله والحد من غروره، فلن يستجيب لك، ولن يتأثر بإرشادك وعقابك، وكأنك تتعب نفسك على الفاضي، وأكثر من هذا أنك مهما أسرفت في أسلوب التحقير فإنه في قرارة نفسه يتمخطر في برجه العاجي. فلا أسلوب التهديد والانتقام يردعه، ولا أسلوب الشفقة والرحمة يعدله، إن شفقت عليه تمادى، وإن انتقمت منه تعادى.
وبسبب سلوك النرجسي الأرعن مع الآخرين، فلذا هو شخصية غير مرغوب بصحبتها إلا أن تكون علاقة نفعية أو علاقة عمل، ولهذا فإن القذافي لم يكن له أصحاب دائمون سواء من الليبيين أنفسهم أو من غيرهم، حتى في اجتماعات جامعة الدول العربية فقد كان لا يتمتع بصحبة جيدة مع الزعماء العرب، بل كانوا يتحاشونه ويعرفون مدى نرجسيته وما يصاحبها من بذاءة، حتى إن السادات كان لا يسميه إلا «بالواد المجنون بتاع ليبيا»، وفي ظل سقوطه لم يجد أحداً يرحب بإقامته إلا أن يكون دافع ذلك الطمع في ماله أو ذهبه.
والنرجسي لا يعاني نفسياً بقدر ما يعاني من يتعامل معه ولأجل تبسيط كيفية التعامل مع صعوبة هذا الشخص فيمكن إيجازها في ثلاث كلمات: لا للتشفي، لا للشفقة، نعم للتجاهل. كما قيل:
لقد أسمعت لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي
وقيل أيضاً» الضرب في الميت حرام.
وبالمناسبة، فلقد أرشد النفسانيون أن أفضل وسيلة للتعامل مع النرجسي أياً كان هو تجنبه قدر الإمكان، وأكثر المعاناة هو حينما تبتلى الزوجة بزوج نرجسي، أو يبتلى الزوج بزوجة نرجسية، فإنه لا حل في مثل هذه الحالات سوى حل الطلاق، والطلاق فقط، لأن النرجسي أو النرجسية يتنصلون من أداء واجباتهم وإن أدوها فتكون بشكل نفعي أو رغبة في مدحهم، وصعوبة الزوج النرجسي تأتي من كونه يأخذ الحب ولا يهبه، ويأخذ الحنان ولا يهبه بما في ذلك الاستمتاع الجنسي.
فينابيع الحب تصدر منه ثم ترد إليه كلها دون أن يشاركه فيها أحد، وإذا كان أول شروط نجاح الزواج هو المودة والرحمة والتي هما معدومة مع شخص النرجسي فإن المشاركة الزوجية مع طرف نرجسي عذاب في عذاب، ولهذا يقال إن أتعس زيجة هي الزيجة من زوج نرجسي.
نعود لمشكلة القذافي مرة أخرى، ذلك النرجسي المحافظ على نرجسيته بسلاح السادية، هذا الرجل لن تتوقع منه حينما يحاكم في محكمة كبرى أن يبدي ذرة أسف أو ندم حتى ولو كانت إداناته مدعومة بأدلة دامغة. لأنه يعيش في برج نفسي عاجي، فوجوده مثلاً في محكمة كبرى حيث القضاة من جهة والإعلام من جهة أخرى وحيث إنه محط لأنظار العالم كله، فإن هذا كله يعطيه شعوراً نرجسياً بعظمته وأهميته وكبريائه، وسيعتبر أن كل هؤلاء الذين أمامه أقزام وأنه هو العملاق الوحيد في صرح المحكمة وفي صرح العالم بأسره.
وبالمناسبة، هنالك الكثير من الحكام الطغاة الدكتاتوريين الذين حكموا على مر التاريخ، لكن ما يجعل القذافي يختلف عنهم هو أن نرجسيته الذاتية وغروره هي من تحكم البلاد، لكن الطغاة الآخرين يمارسون الدكتاتورية ضد الشعوب الأخرى لأجل مصلحة بلدانهم أو على الأقل بقاؤهم في سدة الحكم، أما القذافي فإن من يحدد أعداءه البلاد وأصدقاء البلاد هو باعث نرجسيته، أعداء ليبيا هم أعداء نرجسيته، وأصدقاء ليبيا هم أصدقاء نرجسيته، بترول ليبيا هو لخدمة نرجسيته أولاً، يُسقط طائرة لوكربي لأجل نرجسيته وليس لسبب سياسي، يسمم أطفال ليبيين بفيروس الإيدز لأجل نرجسيته وليس لسبب سياسي، يقتل مثلاً موسى الصدر ورمضان وغيره كثير ويبيد مسجونين لأجل نرجسيته ولا علاقة لتلك الجرائم بسياسة أو مستقبل البلد.
ولهذا فإن المحللين السياسيين يخطئون حينما يعزون بواعث جرائم القذافي لأسباب سياسية، ويحيدون الرؤية التحليلية النفسية لشخص القذافي. وللتاريخ يجب أن تعاد قراءة وكتابة الأحداث السياسية الليبية أثناء حكم القذافي من قبل المحللين النفسانيين وليس من قبل المحللين السياسيين، لتخرج قراءة الأحداث التاريخية بمنظار أكثر موضوعية.
ويطالب بعض الأطباء والأخصائيين النفسانيين اليوم بتقديم القذافي للكشف عليه نفسياً قبل محاكمته، لكن المسألة التي ستواجههم حين مجالسته هي أنهم لن يجدوا عليه علامات الاضطراب النفسي المعتاد، كما هي حال من مثله، وأنجع وسيلة لتشخيصه هي متابعة سلوكه ومواقفه الحياتية الماضية.
ويخطئ أيضاً المحللون السياسيون عندما يتوقعون أن تكون نهاية القذافي هي الانتحار، ففي البعد النفسي الشخصية النرجسية أو شخصية القذافي تحديداً فإنه أبعد شخصية تعمد للانتحار، وربما لو انتحر الناس جميعاً لكان آخرهم القذافي، لأن مشاعر الإحباط والدونية في وادٍ ومشاعر النرجس تغرد به في وادٍ آخر.
على أي حال فإن الأسلوب الأمثل لمعاقبة القذافي لا بد وأن تكون مدروسة من قبل أهل الاختصاص، وعلى وجه التحديد المختصين في علم النفس الجنائي.
إنك عندما تعاقب أحداً قتل أحداً من ذويك، فأنت أول ما تستهدفه عند القصاص هو بث مشاعر ندم الجاني، ومن جهة أخرى تشبع جانب التشفي والأخذ بثأرك وبثأر المجني عليه. النرجسي لا ينفع معه رسالة اللوم والندم ولذا فإن عقابه يفترض أن يكون مختلفاً، فالنجرسي السادي حينما تريد التشفي بقتله، يشعر هو بالفخر والاعتزاز لعظمته، فبقدر ما كنت ترغب في إهانته وإذلاله بقدر ما يسعد ويتبختر من داخله، وربما يموت أسعد ميتة بتوقيعك أنت. وهذا لا يقتضي ألا يحاكم بطريقة تخالف ما عليها الآخرون، فهو بكامل عقله ووعيه عندما اقترف ما اقترفه.
بكلمة واحدة، النرجسي شخص يتعب حياتك، ويُتعبك حينما تريد أن تتعبه، ويُتعبك حينما تريد حتى قتله، فلا التشفي والانتقام يفيد، ولا العطف والرحمة تنفع، النرجسي شخصية يُمرضك ولا يمرض، هذه حال القذافي، الظاهرة والمعادلة الصعبة.
جامعة الملك سعود