في مثل هذا الوقت أو قبله، أثيرت العام الماضي تساؤلات في عدد من المقالات حول جدوى نشاطات الهيئة العامة للاستثمار للمصلحة الوطنية، وعندها اتصلت بأحد الأصدقاء من منسوبي الهيئة للاستفسار فقال لي: «انتظر عاما واحدا فقط وسوف ترى أن ما تصنعه الهيئة للاقتصاد الوطني سيسكت الجميع «، فصدقت صاحبي وانتظرت عاما انقضى ولم أر ما وعدني به ! لذا أعود لما تريثت في استثارته، فعندما أسست الهيئة العامة للاستثمار قبل عشر سنوات كان الواقع الاقتصادي للمملكة مختلف عما هو عليه اليوم، وكان هناك خوف من أن تؤدي اتفاقات منظمة التجارة العالمية لعزل الاقتصادي السعودي عن التفاعل مع الاقتصاديات الأخرى، حيث كانت المملكة في مضمار المفاوضات لاكتساب عضوية المنظمة العتيدة، وكان عليها أن تقدم مغريات لبعض المفاوضين دون الإخلال بهيكلية البنية الاجتماعية والاقتصادية، فبعض مطالب المفاوضين كانت تشطح في آفاق لا علاقة لها بالتجارة، لذا كان من الحكمة أن يؤسس جهاز لتنظيم الاستثمار الأجنبي وتشجيعه لسببين: الأول هو خلق ميزة للمفاوض السعودي يقدمها لمفاوضيه، والثاني هو تنظيم الاستثمار الأجنبي لينضبط بضوابط محددة تكفل استفادة المجتمع والاقتصاد السعودي من ذلك الاستثمار. وهكذا حدث وأنشئت الهيئة العامة للاستثمار وانضمت المملكة لمنظمة التجارة العالمية - التي لم يعد لها أهمية كبيرة كما كنا نتصور - وأصبحت الهيئة العامة للاستثمار بعد ذلك كقصة الكباب في مسرحية (الإدارة العامة للكباب) المعروفة.
اليوم المملكة العربية السعودية في وضع اقتصادي أفضل والحاجة لتشجيع الاستثمار الأجنبي محصور بما يمكن أن يقدم هذا الاستثمار من منفعة محسوسة، معظم الاستثمارات الأجنبية معفاة من الضرائب لأجل طويل وهي كما اعلم لا تدفع الزكاة على أعمالها ولا توظف موظفين سعوديين إلا في الحد الأدنى ولا تنقل لنا تقنية نستوطنها أو تستثمر موارد ينتجها الاقتصاد السعودي، معظم هذه الاستثمارات الأجنبية ما هي إلا طفيليات تعيش على الميزة التي تمنحها لها المؤسسة العامة للاستثمار وعندما تختفي هذا الميزة لا أحد يجزم بأن هذه الطفيليات ستعيش بعد ذلك، لذا نتساءل، ما هي المنفعة من هكذا استثمار أجنبي ؟ وحتى نكون منصفين لابد أن نعترف بأن هناك عددا من الاستثمارات الأجنبية تخلق لنا قيمة مضافة، ولكن في المقابل تحصل على قيمة أكبر فعيونهم على منفعتهم وليس لجمال حالنا، فليس هناك مستثمر عاشق لصحرائنا وحرها وهواجسنا وطبعنا، ولكن معظم المستثمرين خصوصاً صغارهم الذين تعج بهم أروقة الخدمات الخاصة في هيئة الاستثمار لا يضيفون أي قيمة عملية بل إنهم عالة على الاقتصاد فهم منافسون للمواطن في نشاطه وليس منهم من يشهد له بتقدير ما ييسر له فيبادر لخلق منفعة لهذا البلد أو أهله.
نحن هنا لا نسعى للمزايدة على هيئة الاستثمار وتنفيذييها المبجلين، لكن عليهم إبراز نتيجة جهودهم التي يدفع لها مخصصات سخية، أين نتيجة تلك الجهود في صورة فائدة وطنية ؟ دعونا من مؤتمرات التنافسية التي لا تعقد إلا عندنا، وإذا عقدت عند غيرنا فبتمويلنا، في هذه المؤتمرات لا نحصل منها إلا على حديث منمق في صالاتها وردهاتها، قصة الغراب والثعلب في كتاب المطالعة في المرحلة الابتدائية مثال لما يقال في تلك المؤتمرات. نحن نريد من هذه الهيئة الموقرة ومن قياداتها، التي لا نشك في حماسهم الوطني أن يقدموا لنا، نحن المجتمع، نحن أهل البلد، جواباً شافياً لسؤال ملح - ما هي المنفعة الواضحة التي لا تخطئها عين المراقب التي سنحصل عليها كوطن وكمجتمع من جحافل المستثمرين ؟ نسمع مقولة إننا بتنا بيئة استثمار واعدة، ولكن واعدة لمن ؟ لا شك ان لا علاقة لنا بذلك الوعد حتى الآن، والمثل الأمريكي يقول «I see the humbrger but where is the Beef) وترجمتها (أرى الهمبرجر.. لكن أين اللحمة) فعندما لا يكون في الهمبرجر لحمة فهو مثل الاستثمار الذي ترعاه الهيئة الكريمة، ليس فيه منفعة، لذا نقول لهيئة الاستثمار الموقرة «لقد سد همبرجركم الأفق ولكن لا نرى فيه لحمة !»
إن واقع بلدنا وهي تتلقى استثمارات الفيشار التي لا تنفعها، جعل كثيرا من المواطنين يشعر بأننا بلد ينتهب أمام أعيننا، وهذا الشعور مؤلم خصوصاً عندما يشعر المواطن أن خيرات بلده تتيسر لغيره بصورة لا تتيسر له، نعم بعض المواطنين يبالغ في ذلك، فالمواطن الصالح المؤتمن لن يكون وكيل انتهاب لبلده مهما كان، لكن لنكن واقعيين، المواطن معذور في هذا الظن، فهو يرى ويسمع ويقال له كلام لا يتحقق، ثم يرى ويسمع ما يثير العجب، ولا أحد يفسر له ما يحدث، ثم يسأل ولا أحد يعتبر أن الأمر يعنيه، فيهمل تساءله ويتمادى المتغافلون فيما هم فيه منصرفون.
يا هيئة الاستثمار العامة، لقد فهمنا ما هي التنافسية ونشكركم على هذا الجهد الجهيد في تثقيفنا، وقد علمنا أننا من أفضل بلدان العالم جذباً للاستثمار، ولكن الذي لم نفهمه، كيف سيساعدنا هذا الاستثمار الوافد في مجابهة تحدياتنا في التوظيف ونقل التقنية وتوفير المياه الكافية للشرب والغسيل، ماذا كسبنا من جهودكم العظيمة وخطواتكم الوثابة لجلب هؤلاء، نحن نثق بأنكم على دراية واسعة ورؤية ثاقبة، لكن نريد أن تصرفوا قليلاً من اهتمامكم لتوضحوا لنا لماذا نحتاج هؤلا المستثمرين ؟ نعم هناك حقيقة أنجزتموها ولكم الثناء من غيرنا، وهي أنكم أفقدتم المتسترين المواطنين مصالحهم من التستر على المطاعم والمناجر والحلاقين وبات لدينا اقتصاد واعد للاستثمار الأجنبي في هذه القطاعات المهمة للاقتصاد الوطني، السؤال غير الحصيف هو، أين ذهبت هذه المصالح ؟ نرجو أنها ذهبت لخزينة الدولة، طالما حرم منها المواطن المتستر الذي كان صاحب دخل وأمسى اليوم يتسول الوظيفة عند بعض المستثمرين الأجانب.
mindsbeat@mail.com