تصاعدت وتيرة النقاش والجدل حول اقتراح بدل سكن للموظفين الحكوميين بالمملكة بمقدار ثلاث رواتب تصرف سنويا ولا بد في البداية أن ينظر إلى مدلولات هذا الاقتراح فرغم أنه يرمي لمساعدة هذه القاعدة العريضة من العاملين بالدولة حيث إن السكن بات يستقطع قرابة 30%من دخلهم بالمتوسط وهي نسبة مرتفعة جدا تؤثر على قدرتهم بمواجهة تكاليف المعيشة وتزيد من أعبائهم وتضعف قدرتهم على الادخار والإنفاق وهذا جانب سلبي ينعكس على نمو الاقتصاد والتوسع بالاستثمار لزيادة الإنتاج من السلع والخدمات وتوطين الاستثمارات وفتح فرص وظيفية من القطاع الخاص وبالتالي استمرار الاعتماد على الاستيراد لتلبية احتياجات السوق لأنه يبقى أقل تكلفة على التاجر والمقصود السلع الممكن إنتاجها محليا وبهذا الأثر السلبي لارتفاع تكلفة الإيجارات على الموظفين فإن اقتراح مجلس الشورى يبدو منطقيا من النظرة الأولى فهو يدل على تناقص قوة الدخل للموظف مقارنة بما عليه من التزامات للإيجار والسلع الغذائية التي ارتفعت كثيرا أيضا خلال آخر خمس سنوات وبالتالي الاقتراح يهدف لدعم الموظف للتغلب على جانب مؤثر بتكاليف معيشته ولكن يظهر لنا الاقتراح أيضا من جهة أخرى تأخر معالجة أزمة السكن من قبل الجهات المعنية لسنوات طويلة سابقا سواء التشريعات والأنظمة المحفزة للاستثمار بقطاع التطوير العقاري ومواكبته لزيادة الطلب السنوي على السكن أو الحلول الأخرى للحد من ارتفاع أسعار الأراضي وزيادة المعروض منها ولم تظهر حلول حقيقية إلا من خلال الأوامر الملكية الكريمة بزيادة قرض الصندوق العقاري والأمر ببناء 500 ألف وحدة سكنية على أراضٍ حكومية وخصص لها مبلغ 25 مليار ريال غير أن وزارة الإسكان التي شرعت بتنفيذها لم توضح آلية توزيعها على مستحقيها إلى الآن لكن اقتراح بدل السكن ينظر له اقتصاديا بأنه سلبي فهو قد يساهم برفع الإيجارات حيث إنه لا يوجد ضوابط إلى الآن تضع حدا أعلى لزيادتها سنويا كما هو في العديد من الدول رغم أن الطلب على السكن المخصص للتأجير لن يرتفع إلا المقار القائم حاليا لأن المستأجرين من الموظفين حالة قائمة فعليا إلا أنه قد يكون هناك تغيير لسكن أحدث من قبل المستفيدين من البدل فيما لو أقر وهذا سيشجع المستثمرون على زيادة بناء الوحدات سنويا وقد يكون البدل فاعلا لو أقرت أنظمة الرهن والتمويل لأن أحدها يفسح المجال أمام عقود التأجير المنتهي بالتمليك كما أن البدل المقرح سيكلف خزينة الدولة مبلغا كبيرا يقدر بأنه لن يقل عن 60مليارا سنويا وهذا الرقم سيرتفع سنويا مع زيادة أعداد الموظفين وكذلك الزيادة السنوية لأجور الموظفين وبهذه الأرقام فإن تأمين هذا المبلغ قد يعني تجنيب ستة إلى ثمانية دولارات بالمتوسط حاليا من سعر كل برميل نفط حتى يتم تغطية هذا البند سنويا مع زيادة مستقبلية أكيدة ومن الأولى بهذه الحالة أن يتم العمل على ابتكار طرق أخرى لتمليك الموظفين سكنا كالتعاون بين كل جهة حكومية ووزارة الإسكان على تنفيذ مشاريع سكنية تخص أي جهة كما تعمل بذلك بعض الدول وفق آليات عملية وسريعة النتائج وإذا كان من اقتراح فعال يأتي بنتائج تصب فيما يرمي له مجلس الشورى الموقر لتحسين دخل الموظف فهو التفكير بآلية لمنح حوافز سنوية للموظفين كمكافأة على أدائهم تصرف سنويا وفق آليات تقييم أداء الموظفين بحيث لا تتحدد فيها نسب معينة إلا وفق الأداء فمن جهة يرتفع دخل الموظف سنويا وكذلك ترتفع كفاءة أدائه مما يعني تحسنا كبيرا بالإنتاجية مما ينعكس على الاقتصاد بشكل إيجابي سواء الكلي أو الجزئي ويكون تحسن دخل الموظف مرهون بأدائه ومقدار المكافاة التي يجنيها من ارتفاع انتاجيته للإيجار كما يقول المثل المعروف (دم فاسد) والانتقال لمرحلة الحلول لمسألة السكن بكل مسببات ودوافع طرحها لا بد أن تأخذ صيغة الجذرية كما هو الوضع بالنسبة لما يؤثر على دخل الموظف وقدرته على مواجهة تكاليف المعيشة بما يحقق فائدة اقتصادية واسعة.