تفاجأ العالم في أبريل 2007م بمذبحة جامعة فيرجينيا التقنية في أمريكا، وذلك عندما قام أحد طلابها وهو الكوري «تشو سونغ وي» بقتل 32 شخصاً وجرح 17، ورغم أنه صغير لا يتعدى عمره ثلاث وعشرين عاماً ولا خبرة عسكرية لديه إلا أنه نفذ فعلته بحرفية عالية، فلم يكد يمر على شخص إلا وقتله بعزمٍ وتركيز، وما زالت الدوافع مبهمة، إلا مما عُرِف منها غضبه على فتاة رفضته عندما أبدى اهتمامه بها، وصارت هي أول ضحاياه. ورغم أني ممن تفاجأوا في البداية إلا أنني لاحقاً اتضح لي أن ذلك شيء متوقع، فالثقافة الأمريكية قائمة على العنف والرأسمالية البحتة التي تنظر للناس لا كبشر بل كمجرد محافظ متحركة، والعنف في المجتمع الأمريكي شيء وارد ولا يُستغرب إذا ما استخدِم لحل المشاكل، فلو كنت في اليابان مثلاً فلن تكاد ترى أي مشاجرة بالأيدي، رغم أن الترفيه الياباني مليء أيضاً بالعنف والقتل مثلما الأمريكي، بينما في أمريكا فإن الكثير من المشاحنات قابلة لأن تتحول لعراك بالأيدي والأرجل وزجاجات البيرة أكرمكم الله. حين تأملت في الحضارة الأمريكية وكونها لا تتخلى عن المواجهة والعراك والعنف بدأ شعور المفاجأة يتلاشى تدريجياً. هذه المذبحة هي أسوأ مذبحة فردية في تاريخ أمريكا، وعلى الرغم من العدد الضخم للقتلى إلا أنه يهون عند ما فعله شخصٌ آخر في ثمانينيات القرن الماضي.
إن أكبر مذبحة فردية هي ما قام به الشرطي الكوري «وو بامكون» عام 1982م، حيث قتل وجرح الكثير في فورة غضب. السبب؟ ذبابة! في صباح ذلك اليوم وقعت ذبابة على صدره أثناء نومه وضربتها زوجته محاولة قتل الحشرة، وهذا ما أيقظه منزعجاً، وانفجر غاضباً على زوجته وتشاجرا، بعدها خرج حانقاً واتجه لعمله في مركز الشرطة الساعة الرابعة عصراً وأخذ يسكر، وبعد ثلاث ساعات ونصف رجع لبيته وضرب زوجته ضرباً مبرحاً ودمّر أثاث منزله، ثم قفل عائداً لعمله واتجه لمخزن الأسلحة أثناء انشغال الضباط باجتماع وجَمَع ترسانة من الذخيرة والأسلحة بما في ذلك بندقيتان نوع «إم 2» و180 رصاصة و7 قنابل يدوية، ولما أتت الساعة التاسعة ونصف مساءً اتجه لسوقٍ مـفتـوح في قريته وأخذ في إطلاق النار على من حوله، بعدها ذهب لقرية مجاورة وقصد مركز البريد وقتل ثلاثة من العاملين وقام بقطع الأسلاك لئلا يستنجدوا بالسلطات، وقتل المزيد من الناس، وهكذا أخذ يقصد قرية وراء قرية ويقتل من استطاع، وقد ساعده في ذلك كونه في ملابسه الرسمية مما جعل الناس يأمنونه في البداية ويسمحون له بدخول بيوتهم ليقوم بعدها بقتلهم مستخدماً بنادقه، وقتل عائلة كاملة بإحدى قنابله.
رغم أن الشرطة كانت على علم بالمذبحة بعد ساعة من بدئها إلا أنه نجح في تفاديهم وإكمال مهمته لثمان ساعات، وفي فجر اليوم التالي كان قد استهلك معظم ذخيرته، حينها اتجه لمزرعة صغيرة واختبأ في بيت مالكها وكان شيخاً كبيراً، ولما وصلت قوات الشرطة ربط القنبلتين المتبقيتين في جسمه واستخدم الشيخ وعائلته كرهائن، ولما اقتربوا فجر القنبلتين وقتل نفسه مع ثلاثة من العائلة غير أن الشيخ نجا بجروحٍ بليغة. كانت حصيلة المذبحة 56 قتيلاً و35 جريحاً وما زالت أسوأ مذبحة فردية معروفة في التاريخ الحديث.
هذه يحق لنا أن نتعجب منها، لأن الكوريين -مثل اليابانيين- شعب هادئ وراقي ولا يحب استخدام المواجهة في حل المشاكل، والمتأمل في هذه الحوادث سيلحظ أن الغضب كان جزءًا أساسياً منها إن لم يكن هو السبب الوحيد، مما يذكرنا بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام، عن الأحنف بن قيس عن عمه أنه قال: يا رسول الله، قل لي قولاً ينفعني الله به، وأقلل لعلي أعقله. قال: لا تغضب. فأعاد عليه مراراً كلها يرجع إليه رسول الله: لا تغضب.
كفانا الله وإياكم شر الغضب.