الانتخابات فكرة مدنية متقدمة لا تترعرع إلا في بيئة مدنية وعقول مدنية وفكر مدني, وإذا ما جلبتها ووضعتها في بيئة قبلية، تقليدية, قروية، إقليمية لا يتوقع أحد أن تأتي بالنتائج المرجوة.
الواقع المعاش يشهد ارتباك سير المؤسسات المدنية كالجمعيات وأعمال التطوع والانتخابات, والارتباك ناشئ من غياب (المجتمع المدني) ذاته الذي تنمو فيه مثل هذه (الثيمات), فلا نتوقع مطلقا أن تؤدي جمعية مدنية دورها من دون بشر مدنيين، ولا نتوقع أن تكون الانتخابات نزيهة من دون سلوك مدني حضاري، ولا نتوقع إنتاجا لهذه المؤسسات طالما أنها تدار بأسلوب شيخ القبيلة.
عندما تكون قراراتنا المدنية بأسلوب الهرم المقلوب، فإن هذه المؤسسات تكون هي الأخرى مقلوبة, فقبل أن نؤسس لجمعيات مدنية أو أعمال انتخابية فنظرية (الهرم) الطبيعي تقول: أسس المجتمع المدني أولا، ثم ضع قوانين، ثم أنظمة، ثم محاكم مدنية مستقلة، ثم ضع بعدها أي (ثيمة) مدنية.
البعض يقول إن الانتخابات المحلية، هي في الأصل (تمرينات) على انتخابات متقدمة في المستقبل, فكيف لمجتمع تقليدي - نامٍ أن يمارس العملية الانتخابية باقتدار طالما أنه لم يتمرن عليها، وكيف لنا أن نؤسس المجتمع المدني المتوقع دون أن نمر بانتخابات (بما فيها من أخطاء)، يؤكدون - باستمرار - أن هذا أمر طبيعي، هذا الرأي رغم وجاهته إلا أنه يعني سنوات من الانتظار لأن المجتمعات لا تتطور في يوم وليلة، وليس في صالحنا أن ننتظر الجيل الرابع حتى يمارس العمليات الانتخالية بشكل صحيح.
الزمن الطويل يعني مزيدا من المشاكل المتراكمة, فالجيل الرابع المنتظر سيكون محملا بمشكلات أجداده وأجداد أجداده، لماذا لا نصنع منذ الوهلة الأولى المجتمع المدني من خلال برامج شاملة لها فترة زمنية محددة المجتمع الحالي الذي يتصارع على كرسي (جمعية مدنية) أو يخطط لتوجيه (الانتخابات) باتجاه جماعة معينة أو يسعى (للاستحواذ) على المنافع، غير مؤهل لأن نراهن عليه، ولا يستحق أن ننافس به المجتمعات المتقدمة وغير جدير بأن نصفق له.
علينا إذا ما أردنا أن نصل إلى (جمعيات مدنية، وانتخابات، أعمال تطوع) فاعلة، أن تكون الانتخابات واحترام المنافسين ورفع قيمة (الإنتاج)، ضمن مقرراتنا المدرسية, وليس حدثا طارئا يربكنا.
nlp1975@gmail.com