في صبيحة يوم الجمعة الموافق 25-10-1432هـ استقبلتنا ذكرى عزيزة على قلوبنا واشترك معنا الأخوة من العرب والمسلمين جميعاً ذكرى مرور واحد وثمانين عاماً على توحيد المملكة العربية السعودية على يد المغفور له إن شاء الله الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه -. لقد حقق أول وحدة عربية في هذا العصر الحديث ضمت نجد وعسير والحجاز والأحساء امتداداً من الخليج العربي شرقاً إلى البحر الأحمر غرباً ففي 8 يناير من عام 1926م نودي بعبد العزيز آل سعود ملكاً على شبه جزيرة العرب ليصبح الاسم للبلاد بعد ست سنوات هو المملكة العربية السعودية فكان هذا نتيجة جهاد طويل سار به الملك عبد العزيز وانضم إليه رجال مخلصون أشداء من القبائل ويعرفون بالإخوان الذين شدوا من أزره مقتنعين بأحقية آل سعود بملك هذه البلاد المقدسة وبالنظر إلى هذا الجهد الذي حقق لأهل البلاد من وحدة وأمن واستقرار وطمأنينة وبعد ما كانوا يعيشون في رعب وخوف يحق لنا كشعب أن نحتفل بذكرى التوحيد للبلاد ونسميه اليوم الوطني وأن يصبح هذا اليوم ذكرى نرسخها في نفوسنا ونفوس أبنائنا فواحد وثمانون عاماً مرت علينا، ولد فيها أجيال عاشوا حياة تسودها الأمن والاستقرار ورفاهية العيش وهي نعمة أنعم الله بها على الشعب السعودي الكريم.
إن سنوات الشعوب لا تعد ولا تقارن بأعوام الإنسان فإن ما يقارب قرن من قيام الدولة السعودية الثالثة على هذه المساحة الشاسعة في وحدة مرتبطة فإنه لا يبدو للوهلة الأولى أنه زمن يمكن أن يتحقق فيه الكثير عن طريق التنمية والتقدم ولكن الشعب السعودي تقدم في هذه السنوات، بخطوات واسعة وعند ما نذكر للناس في الغرب أو الشرق عرباً وغير عرب اسم المملكة العربية السعودية فغالباً ما يتبادر إلى أذهانهم (النفط) لكن لمن يعرفون السعودية فإنهم يدركون أن سر تطور المملكة العربية السعودية لا يكمن في النفط وإن كان عاملاً مهماً في قدرة التطور إلا أن رغبة التطور والنماء واندفاع عزيمة مواطني هذه المملكة حكاماً وشعباً إلى تحقيقهما كل ذلك قد أوصل المملكة العربية السعودية إلى ما صارت إليه الآن من تقدم وازدهار ورخاء واستقرار أمني، فمن السهل أن تبرز تجربة المملكة العربية السعودية الإنمائية من خلال أرقام الميزانيات المرصودة ومن السهل أن تظهر هذا الإنجازات بوضوح عند ما نحصي عدد المدن والمراكز وإعداد المساكن وكيلو مترات الطرق المرصوفة ولكن كل ذك على أهميته لا يعد وأن يكون منشآت مادية من السهل إنجازها ولا ينبغي أن يكون مدعاة للافتخار، إذا تم في عزلة عن تطور الإنسان ونمائه أو تحقق بأسلوب عشوائي تلقائي بعيدا عن مشاركة الشعب من جهة وتفهم الحكم من جهة أخرى لذلك عند ما ينظر إلى المملكة العربية السعودية اليوم تلك البقعة الشاسعة من الأرض التي تقع في الجنوب الغربي من القارة الآسيوية يلمس فيها أول ما يلمس التحام الشعب وحكامه في أسرة واحدة تستظل بشرع الله ودستورها القرآن الكريم وسنه نبيه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وسوف تستمر تسير تحت هذا الظل وإن الله سوف يحفظها الله ويحميها من مكر الأعداء كذلك المشاركة الشعبية والذي يتمثل في مجلس الشورى والباب المفتوح فإنها تجربة شورية ناضجة تميزت بوعي المواطن وتمسكه بعقيدته الإسلامية والإصرار من الحاكم والمحكوم على السواء في توجيه السفينة السعودية وقيادتها عن طريق المشاركة في بناء وحماية الوطن من الأخطار المحدقة به لأن الجو العربي والعالمي الملبد بالغيوم يستدعي منا التماسك والثبات فهو إصرار يعني شيئين لا ثالث لهما:
الإيمان المطلق بحكمة القيادة السياسية للمملكة العربية السعودية وبعد نظرها وقدرة الشعب السعودي عن طريق تماسكه بقيادته كفيل بالحفاظ على هذه السفينة والمضي بها إلى وجهتها الأمنة الغانمة فهذا في نظري أبرز ما يميز توحد المملكة العربية السعودية في وحدة صلبة لا تهزها الرياح فالمواطن السعودي الذي احتفل بالأمس باليوم الوطني بكل سعادة وتفاؤل بمستقبل مشرق نحو هذه المملكة الشامخة بعد أن امتلك شعبها بكل شموخ وافتخار هذا الوطن الواسع الذي برز على خريطة العالم يتوجه إليها كل مسلمي العالم خمس مرات للصلاة ويحج إليها الملايين وقد يسرت لهم كل سبل الحج والعمرة بكل يسر وفي امن وأمان زاد من فخر أبنائها واعتزازهم بهذا الوطن فكان عاملاً بأن فجر طاقاتهم في إدارة دفته وتحقيق نمائه وازدهاره.
صحيح إن الوطنية لا تولد في الإنسان من فراغ بل هناك عوامل تدفع الإنسان إلى حب وطنه والاعتزاز به عند ما يجد أن هذا الوطن يجعل منهم شعبا حيا يحمي مصالحه ويحفظ كرامته ويجد أيضاً الاهتمام بعقله وصحته وأمنه وهي من الحقوق الإنسانية التي أضافها الفكر الحديث على حقوق الإنسان المدنية والسياسية والتي تراها الشريعة الإسلامية واجبا شرعيا لا بد من تحقيقه فنحمد الله أن هذه الحقوق الاجتماعية أصبحت مألوفة في الممارسات اليومية على هذه البقعة الطاهرة المملكة العربية السعودية والذي كسبها رسوخها إن الله سبحانه وتعالى قد من عليها بنعمة النفط الذي زاد من الدخل وأحدث رفاهية لهذا الشعب فزاد من فيضه بالمعاني الإنسانية وقاد السياسيين إلى التفكير والتدبير كي تتحول من حلم متخيل إلى واقع معاش فنظر هؤلاء السياسيين أن التعليم مهم لكل أمة تريد أن تنهض وتتقدم فأصبح على هذه الأرض المباركة تعليم من الحضانة إلى الجامعة وما بعدها حق للراغب والقادر من غير منازع فيه والخدمة الصحية واجب يؤدى للمواطن والمقيم أيضاً كما أن هناك توجها في المملكة في السياسة الخارجية فهي تسعى دائما لخلق أفضل مناخ لتقارب العرب ووحدة كلمتهم.
فكان لقيام مجلس التعاون الخليجي الذي ساهم في مسيرة العمل العربي الذي كون علاقة موجبة بين السياسات الداخلية الراشدة وبين السياسات الخارجية المتوازنة كما أن هناك علاقات موجبة بين الدخل وبين مستوى الاستثمار في العنصر البشري ومن هنا فإن زيادة الاستثمار في العنصر البشري يعني أيضاً زيادة في الدخل القومي ويعني فوق ذلك شعباً حضارياً مهماً بتفتحه وطاقاته في التطور الناضج على المستويين الإقليمي والقومي وعلى الرغم من الإنجاز الكبير الذي تحقق في التعليم والتدريب على هذه الأرض المباركة المملكة العربية السعودية فإن القطاعات المهتمة بالتطور الاجتماعي الشامل تقف اليوم على مشارف قرن آخر مستضيئة بنظرة نقدية واضحة وهادفة إلى تخطيط مستقبل لمسار التعليم ومخرجاته سواء كان العام أو العالي أو المهني، فالشعب الحي الذي يتطلع إلى التقدم ينظر أول ما ينظر في نظامه التعليمي، فالعنصر البشري هو أعلى أداة من أدوات التنمية وأهمها لذا فإن الدولة السعودية استطاعت أن تدفع بقوة عملية التعليم فبنت الحكومة سياستها في التعليم أن تكون جميع مراحل التعليم العام إجبارياً للعاديين ولم ينس المعاقين من التعليم والاهتمام بهم وفتحت الجامعات من أجل إعداد المؤهلين في جميع المهن ونرى اليوم يكثر التركيز على إنشاء مزيد من الجامعات على كل بقعة من أرض هذه البلاد المباركة فكل يوم نسمع بإنشاء جامعة هنا وهناك فهذه جامعة الأميرة نورة رحمها الله صرح عظيم لتأهيل المرأة السعودية وجامعة العلوم التطبيقية وجامعة المجمعة والخرج وغيرها الذي أمر خادم الحرمين الشريفين بإنشائها كما أمر حفظه الله بالتوسع في الشورى والمشاركة والتي تعني انتخابات وترشيحات في مجلس الشورى ومجالس البلديات فإن شورية التعليم الجامعي تأخذ مساراً أوسع والذي يعني عدم حرمان أي شخص قادر وراغب في التعليم دون النظر إلى وضعه المالي أو العائلي إلى درجة أن الدولة تقوم بالصرف على التعليم وجعله مجاناً لكل مواطن وصرف مكافأة مالية شهرياً حتى التخرج للطالب الجامعي من أجل تشجيعه على التعليم الجامعي ولعل قطاعاً اجتماعياً آخر شهد تطوراً واضح المعالم وهو وضع المرأة السعودية وتطورها ففي هذه السنوات احتلت المرأة وضعاً حضارياً في هذه البلاد المباركة وأصبح من مكتسبات هذا الجيل، فبالأمس أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله حفظه الله أمراً بأن من حق المرأة السعودية أن ترشح نفسها كضو في مجلس الشورى وأن ترشح نفسها في الانتخابات البلدية فبالإضافة لما نراه في المرأة السعودية نجد أنها أخذت مكانها على مقاعد التعليم وفي مجال الخدمات والإنتاج وفي معامل البحوث ومراكز الصحة والمؤسسات النسوية الأهلية وتتجلي مظاهر دولة الرعاية أكثر عند ما تقترب من الخدمات الصحية التي تأخذ الشريحة الثانية من الإنفاق، فإذا كانت المملكة العربية السعودية في الواحد والثمانون سنة من عمرها قد جالت بجرأة وشجاعة في غمار بحار لم تألفها قط واستطاعت سياستها الخارجية والاجتماعية والاقتصادية أن تصل بها إلى بر الأمان فإن من حقها أن تنظر كجزء من الوطن العربي ومسئولة أمام الله ثم أمام المسلمين بحماية الأماكن المقدسة المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المستقبل نظرة ثقة وتفاؤل فهذه السنوات من تاريخ المملكة العربية السعودية برهنت على أن عزيمة الرجال وحكمتم هي ما يعول عليه في بناء الأوطان والحفاظ عليها والإنسان العربي المسلم في المملكة العربية السعودية الذي في وسعة أن يكون مجتمعا مفتوحا وتتنامي الشورى على أرضه، لا يعز عليه أن يتخطي صعاب الحاضر بحكمته وصلابة إرادته وأن يواصل إبحاره إلى آفاق أوسع وأرحب.
جامعة المجمعة - كلية العلوم التربوية
Twhad_alfozan@yahoo.com