أحدثت التغيرات التي شهدتها المنطقة العربية، والتي تمثلت في الانتفاضات التي طالت بعض الدول العربية، ونجحت في تغيير أنظمة ثلاث منها، وتعمل على إلحاق نظامَيْن آخرين عاجلاً أو آجلاً بها، انقلاباً في موازين القوى الإقليمية التي حاولت السطو على القرار العربي والتحكم في توجيه المواقف العربية خدمة لأجنداتها التي تسعى إلى تحقيق مصالح تعزز تمددها السياسي المبني على طموحات طائفية وكسب مواقع سياسية ومصالح اقتصادية.
الربيع العربي أسقط ادعاءات الممانعة والصمود والمقاومة الزائفة التي خدعت الجماهير العربية؛ حيث كشف لها ما حصل في مرحلة الربيع العربي زيف وخداع مَنْ حاولوا اختطاف القرار العربي وبناء نفوذ سياسي وبناء فضاء طائفي يخدم أجنداتهم للسيطرة على الدول العربية.
وقد كشفت اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة واللقاءات الثنائية قوة الموقف العربي المستقل الذي يعمل من أجل المصالح العربية الخالصة بعد أن تخلص من هيمنة وإملاءات القوى الإقليمية غير العربية؛ فقد ظهر الموقف الفلسطيني المستقل بوصفه أقوى المواقف متجاوزاً كل محاولات الترهيب والترغيب، وضيَّع الفرصة على مَنْ كانوا يتاجرون بالقضية الفلسطينية، وسَحَبَ البساط ممن اعتادوا إقامة استعراضات الممانعة وادعاء الصمود، كما كان يفعل أحمدي نجاد الذي لم يحضر أحدٌ مؤتمراته الصحفية بعد أن توجهت الأنظار والأسماع إلى ما يقوله محمود عباس.
هذا التغيُّر في مواقع مراكز القوى الإقليمية وعودة الحياة للحضور العربي بعدما تحقق في مرحلة الربيع العربي يتطلبان البناء عليهما وتطويرهما سياسياً بحيث تتحول الدبلوماسية العربية إلى فعالية هجومية - إنْ صَحّ التعبير - بعد فترة من الانكفاء وحتى الجمود.
دبلوماسية تعتمد على تفعيل الأدوار العربية، واستثمار المكانة الدولية لكثير من الدول العربية، وسد الأبواب أمام صائدي لعب الأدوار الإقليمية على الساحة العربية، وعدم الانخداع بما يطرحه هؤلاء الطامعون.
دبلوماسية نشطة في إطلاق مبادرات عربية صرفة لخدمة المصالح العربية العليا، دون التورط في أي تحالفات مشبوهة دائماً تتم على حساب الدول العربية.
دبلوماسية عربية نشطة فعَّالة، لا تنتظر مبادرات الآخرين، بل تكون هي الفعّالة، وأن يكون لجامعة الدول العربية دورٌ أكبر يتوافق ويرتقي إلى ما تشهده المرحلة العربية الحالية، التي استيقظت فيها الشعوب، وظلت الحكومات ساكتة إلى الآن.