منذ أن تولّى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الحُكْم ملكاً على المملكة العربية السعودية والبلاد تشهد نهضة تنموية، يحتل المواطن السعودي فيها الرقم الأول بتوفير الدولة كُلَّ ما من شأنه تحقيق الحياة الكريمة له.
ولأن المرأة السعودية هي كما في تقدير النظام الأساسي للحُكْم في المملكة العربية السعودية، الذي ينص في مادته الثامنة على أن الحكم يقوم على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية، ولأن سياسة خادم الحرمين الشريفين منذ توليه الحكم جاءت بالتعامل مع قضايا المرأة باعتبارها مواطنة مثلها مثل الرجل في الحقوق والواجبات، فقد عمل خادم الحرمين الشريفين على أن تكون المرأة السعودية - كما هي في الإطار الإسلامي - كاملة الأهلية.
والسؤال: هل المرأة السعودية كاملة الأهلية وتتمتع بحقوقها المشروعة؟
وما القرارات التي أعلنها الملك لمصلحة المرأة السعودية؟ وما تأثيرها في التنمية الشاملة للدولة؟
وما دور المجتمع تجاه القرار السياسي بتمكين المرأة؟
حقوق المرأة السعودية الغائبة
عندما نتحدث عن حقوق المرأة في المملكة فإننا نفتح فوهة بركان من النقاش؛ فالبعض ما زال يردد بأنّ المرأة السعودية تتمتع بكامل حقوقها المشروعة؛ لأنها تتعلم وتعمل، وإن كانت المهن محدودة والأجور لا تتساوى مع الرجل، والبعض يعتقد بأنها تزاحم الرجل في العمل؛ ما سيؤثر سلبياً في مشاركة الرجل في البناء والتنمية في المجتمع، وبعض آخر يعترف بضياع حقوق المطلقات والأرامل فقط، لكن الواقع يكشف عن أن المرأة السعودية لا تتمتع بحقوقها المشروعة كافة، بفعل بعض الأعراف الاجتماعية المسيطرة والمتوارثة عبر الزمن.
وتشير قضايا العنف الأسري إلى حقوق مضيَّعة في الفرص التعليمية والوظيفية، فضلاً عن الوصاية من ولي الأمر وعدم استقلاليتها في تمكينها من الحياة الكريمة.
وإذا أردنا أن نحدِّد مشكلات المرأة السعودية فيمكننا - وفق تقرير التنمية البشرية الذي صدر 2011 - أن نصنِّف المشكلات إلى ثلاث فئات رئيسية:
الأولى: قانونية، وهي متعلّقة بقانون الأسرة والمعضلات المتعلقة بحقوق المرأة، ووصاية ولي الأمر، والعنف الأسري، وتحديد سن الزواج وقوانين الإرث.
والثانية: متعلّقة بالتقاليد والثقافة المحلية، التي تمنع المرأة من المشاركة في نشاطات الحياة العامة كافة ومشاركتها في انتخابات الغرف التجارية والمجالس البلدية وبعض الأعمال كبيع الملابس الخاصة بالنساء.
والثالثة: غياب المؤسسات التي تمثل المرأة، والتي يمكن أن تحمل مشكلات المرأة وتدافع عنها، وهذا نتيجة لغياب مؤسسات المجتمع المدني في المجتمع.
وقد أشار تقرير وزارة التخطيط السعودية (2010 - 2014) إلى أن «نسبة مشاركة المرأة السعودية في القوى العاملة متدنية، ولا تتجاوز 20 % مقارنة بمشاركة المرأة الخليجية التي تصل في القوى العاملة إلى أكثر من 40 %، في وقت يواجه فيه دخل الفرد المحلي تحديات كبيرة من جراء ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع تكلفة المعيشة وتدني الأجور التي تُعتبر أبرز التحديات الداخلية للاقتصاد السعودي في الوقت الراهن مع التفاقم المستمر لقضية البطالة».
لكن الكثير من هذه الحقوق بدأت المرأة السعودية في التمتع بها؛ ما جعل المستوى التعليمي والصحي للسعوديات يرتفع محققاً مؤشرات إيجابية للتنمية، ولكن بقي لديها حقوق أخرى لم تتمتع بها بفعل الموروثات الاجتماعية.
تمكين المرأة قرار المجتمع أم الدولة؟
منذ عهد الموحِّد الملك عبد العزيز - يرحمه الله - لم يشهد تاريخ المملكة السعودية أي تهميش من قِبل ملوك الدولة للمرأة، وإنما شهدت عهود ملوك المملكة العربية السعودية دعمهم الكبير لتعليم المرأة السعودية.
وفي عصرنا هذا لم يعد التعليم وحده كافياً بل هناك تحديات كبرى لتنمية المجتمع، وتحتاج المرأة لتشارك في عملية التنمية إلى قرارات سياسية تدفع بالمرأة بعيداً عن التقاليد الاجتماعية المتوارثة التي لا تتفق مع الدين، وإنما استمدت سلطتها من العرف الاجتماعي واستمراريته الزمنية.
وفي مقارنة لتمثيل المرأة السعودية في الجانب السياسي ضمن النساء في الخليج فإنها تُعتبر الأخيرة في دخولها الحياة السياسية؛ حيث سبقتها نساء دول الخليج إلى مجلس الشورى، ومع ذلك فالمشاركة السياسية لا تعني فقط عضوية مجلس الشورى مثلما أنها تعتمد على مشاركة المرأة في صنع القرارات وتنفيذها؛ لذا فإنه من المنتظر من المرأة السعودية أنْ يكون تمثيلها في مجلس الشورى فاعلاً؛ لأن التجربة السياسية لا يمكن ثبات نجاحها بالاستناد إلى عامل الوقت فقط، كما أشارت بدرية العوضي في مقالها «اليوم العالمي للمرأة واستدامة حقوق المرأة الخليجية» (جريدة القبس فبراير 2011م) إلى أن تجربة مشاركة المرأة الخليجية في العمل النيابي منذ التسعينيات حتى الآن تدل على نجاح جهود القيادة السياسية بصورة خاصة في تمكين المرأة من ممارسة حقوق المواطنة، رغم الضغوط الاجتماعية التي تواجه هذه المبادرات الرائدة من القيادات السياسية في غالبية هذه الدول بسبب سيطرة العادات والتقاليد المناهضة لتمكين المرأة من حقوق المواطنة.
وتاريخياً فإن المرأة العمانية هي أول من شارك في العمل النيابي منذ الفترة الثانية لمجلس الدولة (1994 - 1997)، والمرأة في قطر دخلت مجلس الشورى في عام 1997م ثم تبعتها المرأة البحرينية؛ حيث منحتها الدولة عام 2002 حق التصويت والترشح في الانتخابات البلدية والنيابية.
وجاء قرار مجلس الأمة الكويتي في عام 2005 ليمنح المرأة الكويتية الحق في التصويت والترشيح في انتخابات المجالس النيابية.، أما المرأة الإماراتية فقد بدأت العمل السياسي منذ عام 2008، في عضوية المجلس الوطني الاتحادي بطريقة الانتخاب والتعيين، ووصلت نسبة مشاركة المرأة في العمل إلى 22.5 % في المجلس الوطني الاتحادي؛ لتصبح مشاركة المرأة الإماراتية هي الأعلى في التمثيل النسائي في السلطة التشريعية على المستوى الخليجي.
تغييب المرأة السعودية عن المشاركة التنموية
وفق دراسة جديدة أعدتها كلية الأعمال البريطانية المتخصصة «كاس بيزنس سكول» فإن النساء يشكلّن 48 في المائة من سكان دول مجلس التعاون الخليجي، لكنهن لا يتخطَّيْن 20 في المائة من اليد العاملة. وتشير الدراسة إلى أن الاقتصاد قد يتحسن بنسبة 30 في المائة إذا زادت مشاركة المرأة في سوق العمل.
ولكن كيف يمكن للمرأة أن تعمل إلا إذا توافرت لها بيئة العمل المناسبة، سواء من الناحية الاجتماعية أو من ناحية الإجراءات التي تكفلها لها الدولة للعمل والإنتاجية؟
وذكرت الكاتبة «هالة الدوسري» في جريدة الحياة يونيو 2011 أن تقارير التنمية البشرية الصادرة عن الأمم المتحدة للعام 2010 عن السعودية تُظهر أنّ عدم العدالة بين الجنسين أنتج ما نسبته 76 في المئة من الخسارة في التنمية البشرية، وهي من أعلى النسب في العالم العربي بعد اليمن.
وللأمم المتحدة معايير تستخدمها للحكم على معدل التنمية البشرية للجنسين معاً؛ حيث يتم حساب الفارق في التنمية بين الجنسين بناء على ثلاثة مجالات في التنمية: العناية بصحة الأم والطفل، وتمكين المرأة، وسوق العمل.
التنمية في مجال الصحة تُقاس بواسطة معيارَيْن: معدل وفيات الأمهات، ومدى خصوبة المراهقات. والتنمية في تمكين المرأة تُقاس أيضاً بمعيارَيْن: المشاركة في مقاعد البرلمان، ومعدل التحاق الجنسين بالتعليمَيْن الثانوي والعالي. أما التنمية في سوق العمل فتقاس بمدى مشاركة المرأة في الوظائف بلا تمييز.
وفي تقرير وزارة التخطيط السعودية (2010 - 2014) كان التأكيد على دور المرأة بوصفه أحد الأهداف الأساسية للتنمية، ولكن بالرغم من ارتفاع معدل النساء المتعلمات وتحسن الوضع الصحي للمرأة إلا أن نسبة مشاركة النساء في سوق العمل كله لم تتعدَ - بحسب التقرير - 11.5 في المئة، بالرغم من القوى السياسية الدافعة لها باتجاه العمل التنموي.
مكتسبات المرأة السعودية منذ عام 2005م حتى 2011م
تولى خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الحُكْم عام 2005م، ولكن اهتمامه بتنمية المرأة في المجتمع بدأ قبل ذلك، ولا يمكن لنا أن نحصر القرارات التي أعلنها في المجالات الحياتية كافة، منها ما كان متصلاً بشكل مباشر بتحسين واقع المرأة، ومنها ما كان ضمن منظومة المؤسسات الحكومية والأهلية، وسوف ينعكس على المرأة بشكل إيجابي.
وقد أكدت هيئة حقوق الإنسان، في تقرير نُشر مؤخراً هذا العام (2011م)، يتعلق بشؤون المرأة، أن الباب الخاص بالمرأة في خطة التنمية الثامنة الذي يُسمى «باب المرأة والتنمية» يبقى شاهداً على عزم الدولة في المضي قدماً وبخطوات حثيثة في عملية تنمية المرأة السعودية.
ورصدت هيئة حقوق الإنسان ما اكتسبته المرأة من مراكز وتعيينات جديدة غير مسبوقة، في مجالات عدة، أورد بعضها هنا:
(أصبح للمرأة السعودية مشاركات فعّالة في «الحوار الوطني» من خلال عقد المنتديات، وورش التدريب، ونشر ثقافة الحوار في الأسرة والمجتمع كله، كما استحدثت أقسام للنساء في السلك العسكري مثل الجوازات والسجون، وكذلك قسم نسائي في الدفاع المدني ومكافحة الحرائق، كما استحدثت المملكة - في إطار سياسة وزارة التربية والتعليم المتعلقة بتأنيث الوظائف التعليمية القيادية وفق الهيكل التنظيمي الجديد للوزارة - بعض العمادات في إطار فصل المهام لتيسير المهمات وتحديد المسؤوليات لضمان سرعة الإنجاز؛ فقد تم تعيين خمس عميدات في مناصب قيادية في وكالة كليات البنات، التي تضم 102 كلية في مختلف مناطق المملكة. وقد تم توظيف النساء في السلكين العسكري والدبلوماسي، وهناك سعوديات يعملن في سفارات السعودية في كندا وواشنطن، إضافة إلى مشاركة المرأة السعودية في معظم الوفود الرسمية لتمثيل المملكة في المحافل الدولية، كما تم استحداث أقسام للنساء في السلك العسكري في قطاعات الجوازات والسجون والدفاع المدني ومكافحة الحريق؛ إذ التحقت 30 شابة سعودية بالخدمة العسكرية في قطاع الجوازات في عدد من المواقع الحدودية كجسر الملك فهد ومنفذ سلوى).
وقد آثرتُ أن أوثِّق بعض القرارات التي جاءت منذ عام 2005، الذي تولى فيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الحُكْم، بعد تصنيفها حسب المجالات التي كان القرار السياسي واضحاً فيها، ومجالات أخرى واكبت سياسية خادم الحرمين الشريفين الإصلاحية؛ فقُلِّدتْ المرأة مناصب عليا في مؤسساتها سواء، كانت حكومية أو أهلية.
قرارات التمكين في المجال التعليمي
في عام 2007م تم تعيين الأميرة الدكتورة الجوهرة بنت فهد بن محمد آل سعود مديرة لجامعة الأميرة نورة بالمرتبة الممتازة، كما عُيِّنت د. موضي النعيم مستشاراً في وزارة التربية والتعليم بالمرتبة الخامسة عشرة.
في عام 2008م تم وضع حجر الأساس لجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، وتُعَدّ أول جامعة حكومية في المملكة العربية السعودية متكاملة خاصة للمرأة. وفي العام ذاته اعتمد نائب وزير التربية والتعليم تحويل ثلاث إدارات تعليمية بالوكالة إلى إدارات نسائية؛ فأصبح هناك مديرة عامة لكل من الإدارة العامة للاختبارات والإدارة العامة للتوعية الإسلامية والإدارة العامة لبرامج محو الأمية خلفاً للمديرين السابقين.
وفي 2009م تم تعيين أ. نورة الفايز بمرتبة نائب وزير لوزير التربية والتعليم لشؤون البنات بوصفها أول سعودية تحتل هذا المنصب العالي، وكذلك شهد العام نفسه تعيين د. أروى الأعمى في منصب مساعد أمين مدينة جدة لتقنية المعلومات، وهذا أكبر منصب في أمانة محافظة جدة يُسند لامرأة، وكذلك في وزارة الشؤون البلدية والقروية؛ لتكون بذلك أول امرأة تشغل منصباً قيادياً في تقنية المعلومات في الجهات الحكومية الأكاديمية في المملكة.
وفيما يتعلق بمجال التعليم الفني والتدريب المهني والتقني ففي عام 2009 قامت المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني والتقني بالرياض بتعيين د. منيرة بنت سليمان العلولا في منصب نائب مساعد للتدريب التقني والتطوير للبنات بالمؤسسة بالمرتبة الخامسة عشرة.
أما هذا العام 2011م فقد تم تعيين د. هدى بنت محمد العميل مديرة لجامعـة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن بالمرتبة الممتازة، وكذلك تعيين د. هيا بنت عبدالعزيز العواد وكيلاً للشؤون التعليمية في وزارة التربية والتعليم بالمرتبة الخامسة عشرة.
وبالنسبة للتعليم في الخارج فقد بدأ في عام 2005م برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، وفي عام 2010 تم التوجيه بتضمين الميزانية برنامجاً إضافياً للابتعاث الخارجي؛ حتى يصبح الابتعاث جزئية أساسية في منظومة التعليم، الذي يهدف في مراحله الخمسة إلى ابتعاث 25 ألفاً من الطالبات جنباً إلى جنب مع الطلبة.
وأوضح تقرير حالة التعليم العالي في المملكة لعام 1430 - 1431هـ
2009 - 2010م أن نسبة الدارسات في مرحلة الماجستير وصلت إلى 34 في المائة مقارنة بنسبة الدارسين في المرحلة ذاتها، التي تبلغ 22 في المائة من معدل إجمالي نسبة الدارسين في الخارج، بينما تنخفض نسبة طلاب الدكتوراه إلى 5 في المائة مقارنة بنسبة طالبات الدكتوراه التي تصل إلى 6 في المائة.
قرارات التمكين في الجانب الاقتصادي
في عام 2004م شاركت المرأة للمرة الأولى في انتخابات أعضاء مجالس الإدارة في الغرف التجارية في جدة.
في عام 2005م صدر قرار من قِبل وزارة العمل بشأن تراخيص تشغيل النساء في أقسام المنشآت الخاصة وتطبيق ضوابط تشغيلهن بأجر لدى الغير.
وفي عام 2006 م دخلت المرأة في انتخابات مجلس الغرفة التجارية الصناعية بغرفة الشرقية.
وفي العام ذاته سجَّلت المرأة فوزاً في الانتخابات؛ حيث تم انتخاب المهندسة نادية بوخرجي في أول مجلس لإدارة هيئة المهندسين السعوديين.
وفي عام 2008م سمحت وزارة الصناعة والتجارة للمرأة السعودية بالسكن من دون محرم في فنادق المملكة، بشرط تقديم بطاقة هوية، وفي العام نفسه دخلت المرأة في انتخابات أعضاء مجلس الغرفة التجارية الصناعية بالرياض.
وفي عام 2009م تم اختيار الدكتورة لمى السليمان نائبة لرئيس الغرفة التجارية الصناعية بجدة، وهي التي فازت في انتخابات مجالس الغرف التجارية الصناعية، ويُعَدّ منصبها الآن أعلى منصب للمرأة في الغرف التجارية الصناعية السعودية؛ حيث كان أقصى نجاحات المرأة هو الدخول عضوة في مجالس الإدارة فقط.
وصدر هذا العام 2010 أمرٌ ملكيٌّ سام بشأن الموافقة على الخطة التفصيلية والجدول الزمني للحلول العاجلة قصيرة المدى والحلول المستقبلية لمعالجة تزايد أعداد طالبات العمل من خريجي الجامعات، الذي طالب فيه وزارة العمل باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ هذه القرارات.
تلا ذلك إصدار وزارة العمل ثلاثة قرارات وزارية تخص تنظيم عمل المرأة في محال بيع المستلزمات النسائية، إلى جانب قرار وضع الاشتراطات الخاصة في توظيف النساء في المصانع، وقرار آلية احتساب عمل المرأة عن بُعد في نسب توطين الوظائف «السعودة».
وفي تقرير وزارة التخطيط 2010 - 2014 فإنه نتيجة لضَعْف المشاركة الفعلية للنساء فقد وضعت الوزارة مجموعة من السياسات، كان أهمها تخصيص قِسْم نسائي خلال عام واحد في كل مصلحة حكومية لتوظيف النساء ومراجعة معاملاتهن.
قرارات التمكين في الأحوال الشخصية والقانونية
أقرت المملكة العربية السعودية النظام الموحَّد للأحوال الشخصية لدول مجلس التعاون الخليجي منذ سنوات، لكن لم يُعمل به.
وشهد عام 2007 توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لوزارة العدل بإنشاء محاكم تُعنى بقضايا العنف الأسري.
كما وافقت وزارة العدل في العام نفسه على دراسة مشاركة المرأة القانونية للعمل في الاستشارات القانونية فقط وإعطائها رخصاً للعمل في مكاتب خاصة في هذا المجال.
وفي عام 2000 أطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية أول حملة رسمية ضد «العنف الأسري»؛ لتعريف المجتمع بأهميّة الحملة ومخاطر العنف الأسري والوقاية منها، وفي العام نفسه أيضاً صرَّح خادم الحرمين الشريفين في حوار صحفي أجرته معه وكالة الأنباء الروسية (إيتار تاس) بأنْ قرار قيادة المرأة السعودية السيارة هو بمنزلة قرار اجتماعي، وأضاف: «هذا الموضوع يُعَدّ قراراً اجتماعياً، ودور الدولة هو ضمان توفير المناخ الملائم لأي قرار يراه المجتمع مناسباً بما ينسجم مع مبادئ الشريعة الإسلامية وتعاليمها التي ترتكز عليها الدولة».
وفي عام 2009 تم تخريج أول دفعة من الطالبات في تخصص القانون من كلية الأنظمة والعلوم السياسية بجامعة الملك سعود، وعددهن 49 طالبة.
وفي عام 2011 تأسست أول جمعية نسائية خيرية هي جمعية «مودة للحد من آثار الطلاق وأسبابه»، وتم إنشاء أول حاضنة للمحاميات السعوديات.
مواكبة مؤسسات الإعلام لتمكين المرأة
عام 2006م كلفت وزارة الثقافة والإعلام السعودية المذيعة دلال عزيز ضياء بالعمل في منصب مدير البرنامج الثاني في إذاعة جدة، بوصفها أول سيدة سعودية تتبوأ هذا الموقع، الذي يحتوي على 19 قسماً متنوعاً من البرامج النسائية والمنوعات الثقافية الإخبارية وغيرها.
وفي عام 2006 ضم مجلس الجمعية العمومية لمؤسسة اليمامة الصحفية خمس عضوات، هن: الدكتورة هيا المنيع والدكتورة حسناء القنيعير والأستاذة رجاء عالم والدكتورة فاطمة القرني والأستاذة نوال الراشد، وكانت مؤسسة عسير للصحافة والنشر عام 2004 قد ضمت في مجلس الجمعية العمومية الدكتورة فوزية البكر والأستاذة منال الشريف.
وفي عام 2008 تم انتخاب الأستاذة نورة الحويتي عضوة في مجلس إدارة هيئة الصحفيين السعوديين في دورته الثانية بعد انتخاب اثنتين من الصحفيات عضوات في الدورة الأولى عام 2004م.
وشهد عام 2009 تعيين أول مديرة لقناة سعودية، هي الأستاذة سناء مؤمنة المدير العام لقناة الأجيال التلفزيونية.
في عام 2010 انتُخبت د. فوزية البكر عضواً في مجلس إدارة مؤسسة عسير للصحافة والنشر من قِبل أعضاء الجمعية العمومية.
وفي عام 2010 افتتحت مؤسسة الجزيرة للصحافة والنشر قِسْماً نسائياً صحفياً، يشمل التصحيح والتصميم والتسويق والإخراج، بأيدٍ نسائية سعودية، بوصفها أول صحيفة سعودية تنشئ قسماً نسائياً متكاملاً يضم كل تخصصات العمل الصحفي للتحرير.
وفي العام نفسه عُيّنت د. هيا المنيع مستشاراً لتحرير مؤسسة الرياض للصحافة والطباعة والنشر.
تكريم خادم الحرمين الشريفين رسمياً للمرأة
شهد عام 2010 تكريماً مميزاً للمرأة في مجال الطب والعلوم؛ حيث قلَّد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدكتورة خولة بنت سامي الكريّع العنزي، كبيرة علماء أبحاث السرطان بمستشفى الملك فيصل التخصصي، وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى نظير تحقيقها إنجازات بحثية عدة متميزة، كما في العام نفسه وتنفيذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قلّد صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز مساعد وزير الدفاع والطيران والمفتش العام للشؤون العسكرية وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى للطبيبة الاستشارية أروى بنت علي السيد تقديرًا لجهودها في إنجاز علمي جديد باكتشاف الخلل في الجين المسبب للانتفاخات اللثوية.
وقد تميّزت المرأة السعودية في مجال الطب والعلوم، وقدمت عدداً من الاختراعات المميّزة، إنما أورد هنا ما يندرج تحت الفترة ما بين 2005م حتى عامنا هذا.
قرارات التمكين في المجال السياسي
أعطى الإسلام حق الشورى للمسلمين رجالاً ونساء؛ فقال تعالى: {وَشَاوِرْهُم في الأَمْرِ} (آل عمران:159)، وكذلك قال: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبَّهم وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى:38). وفي تاريخ المسلمات فإن أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله عنها - قد أشارت على الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في صلح الحديبية، وأخذ بمشورتها.
وفي مجتمعنا بدأت أولى خطوات مشاركة المرأة السعودية في الشورى منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود - يرحمه الله - فقد ذكر عنه تقديره لزوجاته وبناته وحرصه على تعليمهن ومشاورتهن، وتوالت الحقب التاريخية في عهد الدولة السعودية التي حرصت على تعليم المرأة ومناهضة الجهود الاجتماعية التي تعيق حق المرأة في التعليم.
في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز خطت المرأة السعودية خطوات وثَّابة في التعليم والعمل، ومن ثم نحو المشاركة السياسية؛ حيث تم في عام 2005 تعيين ست مستشارات غير متفرغات في مجلس الشورى، وفي عام 2006م صدر قرار بزيادة عدد المستشارات غير المتفرغات في مجلس الشورى من ست عضوات إلى 12 مستشارة بالمجلس بدون أحقيّة التصويت.
وفي هذا العام 2011م أعلن خادم الحرمين الشريفين دخول المرأة السعودية عضوة في مجلس الشورى، ومنح حق الانتخاب لها في مجالس البلدية بوصفها مرشحة وناخبة، وبذلك تكون المرأة السعودية دخلت مجال العمل السياسي للعمل في صنع القرار وتنفيذه.
.. وماذا بعد؟
يبرز أمام المرأة السعودية الآن تحديات كبرى في أن تكون بحجم مسؤولية هذا التكليف من قِبل الإرادة السياسية، ولكي تتجاوز ما عانته مثيلاتها في الخليج من مواجهة رفض المجتمع من قِبل بعض الذين لديهم تصور خاطئ عن مشاركة المرأة السياسية وتمسك بالثقافة التقليدية التي تؤطر دور المرأة بشكل تقليدي.
إنّ ثقافة المجتمع هي قالبه الذي صنعه، ولكنه ليس قالباً مغلقاً بل هو إناء قابل للتشكيل وفق مرونته؛ لذلك حين نتحدث عن ثقافة أي مجتمع فنحن نعني الحديث عن تاريخه وفكره ورموزه التعبيرية، وكلها قابلة للتحديث وفق معايير يحددها المجتمع ذاته بدون المساس بالدين.
نحن من نصنع ثقافة المجتمع وليس سوانا، وما قبلنا أن نستورده لم نكن مرغمين بقبوله؛ ففي العقل الجمعي كان هناك موافقة ضمنية بقبول تلك الجزئية الثقافية.
إنّ قضيتنا إذا ما شئنا دعم حقوق المرأة لن تكون مع الإنسان أو المجتمع بقدر ما هي مع الثقافة التي تشمل كل مكونات حياة الإنسان في مجتمعه، ولكي تتغير الثقافة التقليدية لا بد من عمل جاد من المؤسسات الحكومية والمدنية لدعم المرأة، ولا بد من جهود متواصلة من المرأة ذاتها للعمل باتجاه تنمية مجتمعها، وهذا ما ستكشف عنه المرحلة القادمة من تاريخ المرأة السعودية الحديث.
nahedsb@hotmail.com