تعتبر مسألة توطين الوظائف في الاقتصاد السعودي، وهو ما يعرف بالسعودة، من أكثر المسائل جدلاً في المجتمع. وتظل هذه المسألة تتراوح بين أفكار ونظريات المفكرين والأكاديميين وبين الطروحات والإجراءات المتباينة لأقطاب القطاع الخاص وصناع القرار في الأجهزة الحكومية المختصة. ولعل كل هؤلاء يتفقون على أن جزءاً من الخلل في سوق العمل السعودي يرجع إلى عدم المواءمة بين مخرجات التعليم ومتطلَّبات سوق العمل، وهي معضلة يتحدَّث عنها الكثير ويتصدَّى لها القليل، شأنها شأن الكثير من قضايا التنمية والمجتمع. ويركز المتحدِّثون عن هذه المعضلة على ضرورة التركيز على التعليم المنتهي بمخرجات تتواءم مع متطلَّبات السوق. ولكن ما هي متطلَّبات هذه السوق؟ الإجابة العلمية على هذا السؤال لاتوجد. والتوجُّه العام هو المناداة بالتركيز على التخصُّصات العلمية. والقضية الأساسية التي لم يتم الالتفات إليها بشكل صحيح هو ضعف مستوى التعليم بشقَّيه العام والعالي وضعف العلوم التقنية الحديثة بشكل خاص. وهذا الضعف يولِّد مخرجات تعليمية غير قادرة على بناء قاعدة بشرية صلبة يمكن أن يعتمد عليها أي برنامج فاعل للسعودة. ويستمر الجدل وتعود المسألة إلى المربع الأول. الغائب الأكبر في هذا الحوار، هو التدريب، الذي يعد مخرجاً مهماً لهذا المأزق. يقدر متوسِّط إنفاق الشركات في اليابان على التدريب 320 دولاراً أمريكياً على الفرد الواحد سنوياً، وفي الولايات المتحدة الأمريكية 215 دولاراً أمريكياً، وفي الشركات الأوروبية 170 دولاراً أمريكياً، وفي الشركات العربية 2 دولار أمريكي فقط. أقل ما يمكن قوله عن هذه الأرقام إنها مؤلمة، وكثير من الحقائق ما يؤلم. ومناسبة ذلك الحديث عن برامج وسياسات توطين الوظائف، السعودة، في القطاع الخاص بالمملكة العربية السعودية، والذي ما يزال يعتمد بشكل رئيسي على العمالة الوافدة. وإن كان عزوف الشركات السعودية عن الإنفاق على التدريب والتأهيل لمعالجة ذلك القصور، قد زاد الطين بلَّة وجعل برامج وسياسات السعودة تراوح مكانها لتكون في الأغلب شعارات إعلامية. التدريب والتأهيل هما مفتاح التوظيف. ولو سمع أصحاب تلك الشركات ما قاله رئيس شركة موتورولا من أن كل دولار تدفعه شركته في التدريب يعود عليهم بـ21 دولاراً أمريكياً، لما تردَّدوا في الاهتمام بالتدريب ليحقِّقوا تلك المكاسب لشركاتهم ويتيحوا في الوقت نفسه لأبناء وطنهم فرصاً حقيقية للمل والإنتاج، فكثيراً ما تُحقِّق المصلحة الشخصية مصلحة المجتمع كله.
* رئيس دار الدراسات الاقتصادية - الرياض