ألقـى خــادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز خطابه الملكي السنوي لأعمال السنة الثالثة من الدورة الخامسة لمجلس الشورى.
وتناول حفظه الله ورعـاه في خطـابه الكريم القيم والوسائل السياسية المعاصرة، وكذا التوجهات الداخلية والخارجية للمملكة العربية السعودية، كما وجه وفقه الله وسدده رسائل مهمة لأعضاء المجلس والمواطنين، ولعل الحدث المفصلي والقرار الأهم في نظر الكثير دخول المرأة مجلس الشورى وحصولها على العضوية الشورية الكاملة، وعندي..
أن الديمقراطية العربية تفتقد مرتكزاتها ومفاهيمها الإجرائية، وتظل في غالبية بلادنا وللأسف الشديد مجرد ألفاظ ومصطلحات وتعبيرات إنشائية، تتجسد في أحزاب ومجالس شعبية وانتخابات وبرلمانات وتصريحات إعلامية وشعارات وعراك وصدام واتهامات وصراخ...، تبدو عند البعض أقرب إلى الواجهات الديمقراطية، أو أنها في حس البعض الآخر تصورات نظرية تنبؤية سابحة في الخيال، قابعة في ضمير الغيب!!.
أن ليس فيما يطرحه الكتاب المعاصرون من حلول للخروج بالديمقراطية العربية من الأزمة التي تعيشها منجعاً ونجاة، فالديمقراطية العربية اليوم تدخل نفقاً ضيقاً، بل إن الديمقراطية ككل تعيش أزمة عالمية وتناقضات سافرة فجة!!، ومتابعة التحليلات الإخبارية للسياسات العالمية تُعري تلك النظم الديمقراطية في مواطنها الأصلية، وتظهر خزاياها، مما يدل على أن هنالك العديد من أوجه القصور والعيوب الضاربة الجذور في أنظمة المجتمعات الغربية التي يراد لها أن تُطَبَّق في بلاد العالم الثالث.
أن نهاية الحرب الباردة، وما تبعها من أزمات ساهمت في فتح دائرة النقاش والجدل حول سلامة النظام السياسي الديمقراطي، وكان من ثمار هذا النقاش والجدل أن هذه المبادئ التي يقوم عليها النظام العالمي الجديد لا يمكن أن توفر العلاج السريع والصحيح للمجتمعات التي تموج بالاضطرابات، بل ربما تؤدي إلى تفاقم واستفحال المشاكل الداخلية خاصة في بلاد العالم الثالث.
أن البحث الجاد عن «الأيديولوجية - المذهبية - القادمة» كان وسيظل هماً عالمياً، ومازال القلق الثقافي وقوداً لتحريك المزيد من الأصوات السياسية والفكرية العالمية التي تنادي بوجوب تخليص العالم من كارثة قادمة، سببها الأساس استبدادية النظم الديمقراطية العالمية.
أن نظام الحكم في النظام السياسي الإسلامي يستحق الطرح العالمي «كبديل عن «الديمقراطية».. والراصد والمفكر والباحث في هذا الموضوع يلحظ أن العمل السياسي السعودي المنبثق عن الكتاب والسنة محكوم بعدد من الأصول والقواعد الكلية المحكمة الثابتة من بينها (الشورى)،، والشورى في تعريف أحد المعاصرين: (استطلاع الرأي من ذوي الخبرة فيه للتوصل إلى أقرب؟ الأمور للحق).
أن وجود مجالس الشورى في هذا الزمن أمر ضروري استناداً إلى تحقيق «المصلحة الشرعية» إذ إن الزمن قد تغير، وسياسة الدول وتنظيماتها قد تطورت وتعقدت، وأدى ذلك إلى تشعب التخصصات وتنوع الخبرات وأصبح رأي كل متخصص هو المقدم على غيره، ولم يعد من الممكن إحاطة شخص واحد ولا أشخاص قليلين بكل أنواع التخصصات، فلابد والحالة هذه من اعتبار آراء كل فريق فيما يخصه، ومجلس الشورى هو الإطار الذي يضم أصحاب الاختصاصات المختلفة، وأهل الخبرة والرأي، ووجوه الناس وزعماءهم، ممن تتوفر فيهم الشروط والأوصاف التي لابد من توفرها في من يكون أهلاً للشورى.
أن التجارب مثل الأفكار والإنسان والهلال و... لها لحظة ميلاد ونضج وقوة وهلاك وحق كل مرحلة الرعاية والاهتمام والرصد والمتابعة والدراسة ومن ثم التوجيه واتخاذ القرار المناسب زماناً ومكاناً وحالاً، فحرق المراحل وافتعال التطوير دون التمحيص والمدارسة والحوار ذات أثر سلبي على التجارب كما هي حال الأفكار وبني الإنسان.
أن دخول المرأة صاحبة الأهلية المعتبرة في مثل هذا المضمار، المتعلمة والواعية صاحبة الفكر الوسط العارفة بالمعترك الداخلي والخارجي السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي تحت قبة البرلمان في الدورة القادمة للمشاركة الشورية الأوسع في عالم العولمة الصعب هي الخيار الأمثل في ظل التحديات والصراعات والتوجهات المتقاطعة لا المتماثلة خاصة في التمسك بضوابط الشرع الحنيف ووجود علماء الشريعة الذين هم بمثابة واسطة العقد ولا يمكن أن يبرم في غيبتهم أمر، ولا يتخذ بدون موافقتهم قرار، وهذا لا يعني القول أنهم هم الذين يبدون الرأي في كل مسألة حتى وإن لم تكن متعلقة بالعلم الشرعي، لكنهم لابد أن يلحظوا أي أمر تقرره اللجان المختصة لضمان عدم مخالفته لنصوص الشرع، ومصادمته لقواعده الثابتة فتكتسب القرارات التي تصدر من المجلس صفة الشرعية، وإذا تم الأمر على هذا النحو كان تحقيقاً لصورة من صور الاجتهاد الجماعي المطلوب في مثل هذا الزمن وعلى كل حال وإلى لقاء والسلام.