|
تحل على هذه البلاد المباركة ذكرى مجيدة تتمثل في اليوم الوطني للمملكة، الذي يصادف يوم الجمعة 25-10-1432هـ الموافق 23 سبتمبر 2011، وهي مناسبة وطنية تجسد الدلالات العميقة لإعلان توحيد هذا الكيان تحت راية التوحيد. إن اليوم الوطني مناسبة يتوقف عندها الجميع وتستذكر الأذهان التاريخ الطويل، والكفاح البطولي الذي خاضه موحد هذا الكيان الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- ورجاله المخلصون، ويستلهموا الدروس، والعبر، ويؤمنوا بوحدة البلاد والحفاظ على أمنها واستقرارها، وحمايتها من المتربصين بها، والعمل على مزيد من تنميتها وتطويرها لتسير في موكب الحضارة والتقدم الأممي.
إنه يوم مجيد في سجل تاريخ هذه البلاد فيه أعلن عن انتهاء مرحلة الجهاد وتوحيد أركان البلاد وجمع الشتات، لتبدأ مرحلة التنمية وترسيخ الأمن والعمل على تطوير وتنمية الإنسان في هذه الأرض، فيه أعلنت أكبر وحدة تاريخية في العصر الحديث، حيث أسس الإمام الموحد الملك عبدالعزيز بما وهبه الله من حسن الإدارة ونفاذ البصيرة وصدق العزيمة دولة عربية إسلامية تعتمد شرع الله دستوراً ومنهجاً، بعد عقود من العداوات والضغائن والحروب ليسود ربوعها الوئام والمحبة والسلام والتطور.
واحد وثمانون عاماً حفلت بالإنجازات على هذه الأرض الطيبة، وأخذت مكانها ومكانتها ووزنها وثقلها الديني والسياسي والاقتصادي، إنجازات تتوالى رعاها أبناء الموحد الملك عبدالعزيز الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد رحمهم الله جميعاً، ثم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- حيث واصلوا مسيرة البناء من بعده وعززوا نماءه ورفعته حملوا الأمانة واضطلعوا بالمسؤولية مع المحافظة على الأسس والثوابت ليبقى هذا الكيان متميزاً وفريداً ونصيراً لله وللدين وللحق ولكل قضية عادلة.
حينما نتحدث عن هذه المناسبة المباركة فإننا نسجل بكل فخر واعتزاز الإنجازات الضخمة التي تحققت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فقد اتسم بسمات حضارية رائدة جسدت ما اتصف به -رعاه الله- من صفات متميزة من تفاني وإخلاص في خدمة وطنه ومواطنيه وأمته الإسلامية والمجتمع الإنساني بأجمعه وترسيخه لقواعد الحوار محلياً ودولياً إضافة إلى جهوده الإصلاحية التطويرية في بناء دولة المؤسسات العصرية في شتى المجالات، وإكمال منظومة تداول الحكم بإصدار نظام هيئة البيعة، وتحديث نظام القضاء ونظام ديوان المظالم، وإنشاء هيئة مكافحة الفساد للحفاظ على المال العام.
إن خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- قد رسخ البنيان واختط قواعد التقدم والتطوير في كل ميدان، حتى تبوأت المملكة مكانتها بين الأمم ودول العالم المتقدم، ومن يتأمل المشهد العمراني والتعليمي والثقافي والاقتصادي والإنساني للوطن تبهره بحق الإنجازات الضخمة التي حققتها المملكة في فترة وجيزة وما تزال تعمل على تحقيقها يوماً بعد يوم في مسيرة خالدة للبناء والتطوير في عهده الميمون -أيده الله-، ورغم عمق الأزمات الاقتصادية العالمية إلا أن حكومتنا الرشيدة أكدت استمرارها في الإنفاق التنموي مما يعزز سلامة النهج الاقتصادي للمملكة حيث تم تخصيص مبلغ 400 مليار دولار، خلال خمس سنوات من 2009 إلى 2013م لبرنامج الاستثمار الحكومي للقطاعين الحكومي والنفطي، والإنفاق على مشاريع البنية والخدمات الأساسية وتطوير القطاع النفطي.
وكان ولا يزال حفظه الله متلمساً هموم شعبه ومواطنيه حريص على تحقيق الآمال لهم، فجاءت أوامره الكريمة التي تجسد رعايته لكل ما يهم المواطنين بمختلف شرائحهم برهاناً ساطعاً على تفانيه لخدمة شعبه وتوفير أسباب الحياة الكريمة للمواطنين، وتلمس احتياجاتهم ومعالجة قضاياهم الملحة وفي مقدمتها الإسكان والصحة والبطالة، حيث شملت الأوامر رفع قرض صندوق التنمية العقاري من 300 ألف ريال إلى 500 ألف ريال، ودعم وزارة الإسكان بمبلغ 250 مليار ريال لبناء 500 ألف وحدة سكنية في مختلف مناطق المملكة، وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ومكافحة الغلاء، والعمل على سعودة الوظائف، ورفع الحد الأدنى لموظفي الدولة إلى ثلاثة آلاف ريال، ودعم قطاعات الصحة والأمن والرئاسة العامة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى جانب دعم رجال الدين والحرص على صيانة أعراض العلماء من أن تنال أو ينال الدين وأهله من خلالهم.
ولم تتوقف جهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على الإصلاح والتحديث لمنظومة الإدارة في المملكة فحسب بل امتدت لتوسعة وتطوير الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة فمن تطوير منطقة جسر الجمرات بمشعر منى، وقطار الحرمين الشريفين، إلى التوسعة التاريخية للمسجد الحرام التي وضع -أيده الله- حجر الأساس لها في شهر رمضان المبارك الماضي بتكلفة تقدر بنحو أربعين مليار ريال، وتوجيهه بدراسة توسعة صحن المطاف لاستيعاب أكبر عدد من ضيوف الرحمن في الساعة الواحدة، حرصاً منه -رعاه الله- على التيسير للحجاج والمعتمرين في أداء مناسكهم، وتوفير مزيد من الراحة والاطمئنان لهم.
ولقد شكل مبدأ الشورى أحد أهم الركائز الأساسية في مسيرة بناء الدولة وتأسيس نظام الحكم والإدارة وأحد أهم المميزات التي جعلت هذه البلاد تتميز في مجال الحكم والإدارة، كنظام ومنهج نابع من عقيدة الإسلام وشريعته السمحة.
ونحن حينما نستذكر ذلك فلن يغيب عن الجميع أن أول القرارات التي اتخذها الملك عبدالعزيز -رحمه الله- في بدء توحيد هذا الوطن الكبير كان أمره بتكوين مجلس للشورى وذلك حين دخوله مكة المكرمة ولقائه بعلماء المسجد الحرام للتشاور في الهيئة التي تنبغي لإدارة البلاد حيث قال: «لا أريد أن أستأثر بالأمر في بلادكم دونكم، وإنما أريد مشورتكم في جميع الأمور».
واستمر التطبيق الفعلي لهذا المنهج الراشد، إلى أن جاء الطور الحديث بهذا المجلس حينما أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- أمره الكريم في الثامن والعشرين من شهر شعبان 1412هـ بإصدار نظام مجلس الشورى بما يتلاءم ومستجدات العصر ومتطلبات الواقع وحاجة التنمية الوطنية.
وامتدت هذه النظرة بل هذه الفلسفة وهذا الدعم والثقة حتى العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- الذي أكد ثقته في المجلس وأعضائه حينما خاطبهم قائلاً: «لقد أصبح مجلس الشورى بما يضمه من كفاءات وطنية من مختلف المناطق والقطاعات بمثابة السند الأساس للحكومة في اتخاذ القرارات».
إن خطى الإصلاح التي تميز بها عهد الملك المفدى قد أسهمت في تعزيز دور مجلس الشورى بما انعكس على أداء مؤسسات الدولة، فضلاً عن تبوء المجلس مكانة لائقة به ضمن خريطة المجالس التشريعية والنيابية العربية والإقليمية والدولية، ويستعد المجلس لاستضافة الاجتماع التشاوري لقمة مجموعة العشرين على مستوى رؤساء البرلمانات العام المقبل.
وإننا في هذه المناسبة المجيدة لنرفع التهنئة والتبريك لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ولسمو ولي عهده الأمين، ولسمو النائب الثاني حفظهم الله ورعاهم، معبرين في ذات الوقت عن تقدير وشكر المجلس أعضاء ومنسوبين، على ما يبذله خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- من دعم ورعاية ومساندة وحرص على أداء مجلس الشورى لمسؤولياته وأدواره التنظيمية والرقابية، سائلين الله تعالى أن يحفظ لهذه البلاد أمنها واستقرارها وازدهارها في ظل قيادتها الحكيمة.
* رئيس مجلس الشورى