استقام الغمام في مدى المروج...
وكنتِ تستمطرينه..
نور السماءِ، حين يلتحفُ دفءَ الهواءِ ينسربُ..
يغوي العيونَ في مدى الثرى..
كنتِ تفنِّدين الفروق بين:
السراب..
وقطر الغيم..
الماء، هبة الغيمة...
والخيال، محض السراب..
لذا كنتِ تقولين يا نوَّارة:
الإيمان الذي لا ينبعث محراثا, يجتثُّ من النفس سرابها..
ويستحلبُ غيمةَ خيرِِها..
يتأرجحُ بين لفظهِ, ودلالتِه..
فإن كانت النفس مؤمنة, فهي غيمةً تقطر خيرا..
خيرُها أفعالُها..
وكنتِ تزيدين:
النفسُ الندية، لا فقر تتلمسه إن جفَّ كفَّاها..
وإن يتقطرا غنًى ، فلا تشحّ بما فيهما..
وكنتِ تقولين:
الفاصل بين ما في النفس، وما في الكف..
نقيضُ الرابط بينهما..
كلما زاد غنى النفسِ، أغدقت الكفان..
وكلما فقرت النفسُ، شحتا...
حين لا يعني العطاءُ مالا وحده..
بل فعالا..رِفْدهُ..
نوَّارة:
عندكِ....
الغيمة، بوصلة في مدى الاتجاه..
والسراب، عصا في مدى التذكير والعبرة..
كلما زدتِ تنويرا جعلت الغيمة دليلكِ..
وكلما أمعنتِ تحذيرا جعلتِ السراب مثالا..
والطريق ليس طويلا بين الميلاد والموت..
كلما أجهض الموت،..
أخصبت الحياة...
رويُّها، نبعٌ يتدفق, من غيمة الجوف..
قحطها, خديعة السراب، في مرمى التمني...
يا لنفسكِ الغيمة..ونداكِ العطاء..
ويا لغيبة السراب.. في مرمى أمانيكِ.
لا تزالين يا نوَّارة تقطرين, فتندى بك الروح.
تثرى بيمينكِ غيمتك المثلات..
عسى برحمته تعالى أن تكون تربتك..
تُسقى بغيمة إيمانكِ..
ندية كما كنتِ..
مثوبةٌ خضراء من الجنة..
ومنكِ تؤخذُ العِبرُ..
وتوجَّه البوصلات..