اقترب موعد الطائرة فخفق قلبها بشدة وتجمدت الدمعة بمقلتها قبل سقوطها.. كيف ستودع أهلها وتسافر بعيدا للدراسة هناك..
الأمر ليس مزحة لتعلن تراجعها آخر لحظة فقد حققوا رغبتها بالسفر للدراسة وعليها أن تحمد الله ولا تفكر بالتراجع كي لا توصف بالجنون. كانت الأمور تسير على خير ما يرام دون اعتراض أحد أو معارضة من أحد.. وهذا مالم تتوقعه بدأت الفكرة تراودها والتمعت بذهنها بشدة طمعا بالطموح والتميز ولكنها لم تتخيل أن تسافر وتمكث هناك برفقة أخيها فقط.
تراجعت للخلف وهم يجرون حقائبها ويستعدون لتوديعها.. الكل يهمس بها مشجعا.. ستعودين بشهادة كبيرة وتصبحين أستاذة..سوى والدتها التي تشيح بوجهها وهي تجمع حاجياتها وتساعدها بارتباك كيلا تلحظ لونه الشاحب والذهول المرسوم على محياه..
هي فقط من تعرف ما بداخلها وهي من تستطيع قياس درجة غليانها بدقة وسط أجواء متجمدة.. وتدرك مدى احتياجها وضعفها .. ليتها صرخت بها ومنعتها ولم تستسلم بضعف أمام إصرارها وعناد والدها الذي يهوى المظاهر فهو قد سقى فكرتها حتى أينعت وهاهي جاهزة للقطف بل للنحر..
نعم تشعر مع بداية العد التنازلي للساعات الأخيرة التي ستقذف بها بجوف طائرة غريبة لبلاد بعيدة باقتراب السكين التي ستنحرها من الوريد للوريد.. لتعيش هناك بلا نبض أو إحساس أو سفرة تجتمع عليها العائلة يوميا بداخلها مجموعة أحاسيس لا تهدأ ثورتها.. ولا تجد لها فارسا يلجم جموحها.
هل ستبكي وهي تودع غرفتها وأهلها وصديقاتها.. وبلادها.. وهل سيكفي البكاء.. وبحر من الدموع.. سيمر شهر بل أشهر وسنوات عديدة دون أن تقبل رأس والدتها كل مساء.. دون أن تتذوق طعم قهوتها وطعامها المميز.. دون أن تشاكس أختها وأخيها ..دون أن تشكو لوالدتها وتضع رأسها على صدرها عندما تحزن أو تمرض..
دون أن تحادث صديقة عمرها وتزورها أحيانا.. دون أن تخرج مع أسرتها برحلة برية.. أو تسوقية.
حان الوقت هيا إنهم ينادون باسمك.. قالها والدها متعجبا من شرودها وهي تهز رأسها:
هل حقا حان الوقت أرجوكم انتظروا.. استمعوا لي لا أريد أن..
ضحك والدها ساخرا : لهذه الدرجة تخافين من طبيب الأسنان..!! ماذا تقرئين بالمجلة بين يديك هل كنت تقرئين عن ألم خلع الأسنان..
تنفست الصعداء بدهشة وفرح بعد غفوة: وهي تنظر لخبر قرأته عن الابتعاث للخارج ومدى معاناة بعض الفتيات هناك من الغربة فتمتمت: لا ياأبي لن أتردد بخلع ضرس العقل فقد سبب لي ألمه بعض الجنون..