|
كلما كانت هناك افتراضات تكون توقعات، ومن رحم التوقعات ينبجس الخطر. وطالما ثمة توقعات، فلا مناص - والحال كذلك - من خيبات الأمل. ورغم كل خيبات الأمل التي حلت بهم ، لدى الناس نزعة فريدة للتوقعات على نحو مثير للعجب.
«إن الافتراضات تفوّت عليك أفضل ما في الحياة»، يقول جون سيلز. وما أفكارنا المسبقة إلا أحجارُ عثرة تعترض درب هناءنا المعبد القويم. إننا ضحايا جيدين للافتراضات المبكرة التي نبلورها في خيالاتنا المجافية عين الحقيقة، ثم نكابد مليّا لتوكيد فحواها.
لا ترضخ افتراضاتنا النمطية لمعايير صادقة ومنصفة ووجيهة، وإنما تتمخض عن الخيال المغالي والواهم وشديد المثالية خاصتنا. ويكمن العطب في أننا لا نعاير افتراضاتنا بالواقع كي ننقحها، ولكن نصنع العكس لأجل إخضاع الواقع لها. ويوم أن نقترف ذلك، نخسر أجمل معالم الواقع، وهو البراءة.
إننا نحاكم الخلق طبقا لافتراضاتنا غير الواعية عنهم، ودون أن يكون لهم يد في انبثاقها. وآنذاك، يعاركون وظيفة شاقة وباهظة الكلفة، تتجسد في كدّهم المستميت لبرهنة تلك الافتراضات، ومواكبة الفكرة المتخَذة سلفا عنهم. وربما لهذا السبب - خيانة الافتراضات - يرجع تفاقم السخط الذي دب بين الناس إزاء بعضهم البعض.
خير المواقف عديمة الانطباعات المسبقة، وأكثر الناس ضمانة الذين بلا توقعات، وأرسخ العلاقات عفوية التدشين. وليس ثمة أسوأ من خطـّـاب الود الذين جذبهم رنين السمعة. أولئك الذين يتنزلون فجأة، وعلى نحو خاطف، ويتوارون عن الأنظار بذات الطريقة، حالما يقع إشباع النهم الذي يعتمل حثيثا في دواخلهم.
إنما يجني الصيت الحسن علينا، تماما كما يفعل الصيت السيء، سواءً بسواء. ومن عرفــَـنا قبل أن يتناهى إلى سمعه خبرنا خير وأبقى ممن سمع بنا ثم هرول إلينا بفضوله يتمطى. ترى, ألهذا المبرر يُعزى تفادي المشاهير لأتباعهم المريدين، وانقطاعهم إلى ثلة من المقربين، أم ماذا؟
إنها التوقعات: نصنعها فتفسد صفو حياتنا، وحين نخلو منها نسعى كي نحرزها. وهكذا، تمضي الحياة ما بين كر وفر في ميدان معركة طويلة الأمد وحامية الوطيس، نصنعها بأنفسنا، يقال لها معركة التوقعات.
ts1428@hotmail.com