كل فرد ومنذ ولادته يعيش في وسط أجواء بيئية متخمة بالعادات والرموز والتقاليد والأفكار التي تقفز خارج منطقة الوعي نحو اللاوعي فتوجه الرؤية وتحدد المسار ويتم التفاعل معها بشكل تلقائي ومن مجموعها يتشكل التكوين الثقافي العام. كثيرون هم أولئك الذين يكبرون وتكبر معهم الرغبة في استصحاب الأعراف الذهنية والتمسك بملامحها دون أدنى مساءلة لها أوابتلاء لمدى
منطقيتها، إنها تستعصي – نتيجة لتقادمها لالتقدمها!- على التمحيص وكيف يتأتى التمحيص لمنظومة ثقافية قد أفلتت من قبضة الوعي وأضحى اللاشعور هو المأوى الذي تبوأت منه مكانا قصيا؟!.
إذاً ليس ثمة تساؤل يُطرح وإنما إخلاد مطلق لإيحاءات النظام الثقافي المتوارث بوصف معطياته تكتسي قيمة قدسية وبالتالي فهي الضامنة لاستمرارية وجودنا مع أنها في الواقع ليست منطقية بقدرٍ كاف!.
في مجالسنا كثيرا مايتناهى إلى أسماعنا أدبيات ومقولات وأمثال لها حضور بذخي حيث مُنحت علامة كونية فارقة واكتسبت قيمة رمزية وشكلت قوة ضاغطة توجه السلوك مع أن معظمها عندما يوضع على المحك وعلى طاولة الفرز الثقافي يتضح أنه يفتقر إلى مايسوغ تداوله إما لأنه غير صحيح من الأساس أو لأنه لم يبلغ مستوى النضج ولم يستند إلى خبرات عريقة أو لأنه قد وُلد في ظل ظروفٍ مباينة وملابساتٍ مغايرة للواقع الذي نتقلب في معطياته أو لأنه صحيح في الأصل لكنه يستدعى في سياقات خاطئة كنوع من الإخفاق فيما يسميه الأصوليون(تحقيق المناط) وبالتالي فلامعنى لتكرارتلك المقولات ولامبررللركون إلى مضامينهاالعائقة دون معاينة مايمتد من آفاق.
عندما ينفعل الشاب بمثل تلك المقولات ويتبرمج بطابعها فإنه يصاب ببطء في الوعي ومن ثم يفقد الحيوية المطلوبة للعدول عنها إلى الخبرات المغايرة والتي قد يستدبرها ويهمش فحواها وإن تعاطى معها فبتثاقلٍ يقلص من فرص التفاعل المأمول.
وجماع القول: فإن الاندغام المطلق في الموروث بعجره وبجره ليس حالة معرفية, بل منتج ثقافي ولذا فثمة حاجة ملحة إلى امتحان مااستقيناه من صور ذهنية ومن عوائد ثقافية تمارس دورا تضليليا للانفكاك من أسرها وفلترة معطياتها وكشف مايعتور ذلك المشهد الذهني من تزييف لاينجح إلا في تغييب فرص المضي نحو حقول الإبداع والعطاء العام.
abdalla_2015@hotmail.com