لم يكن اللقاء العابر الذي تمكنت فيه من الحديث الثنائي مع فضيلة الشيخ الراحل عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل - يرحمه الله - في مكة المكرمة لقاء عابراً في قيمته المعنوية والأدبية، فقد كان لقاء حافلاً بحديث علمي أدبي هادىء جميل كان فيه الشيخ عبد الله هو المتحدث، وكنت أنا المصغي إليه بجوارحي كلها، وكان الأستاذ عبد الله بن عبد العزيز الخميس (صاحب المكتب الذي تم فيه اللقاء في مكة المكرمة) شاهداً على ذلك الوقت القصير المفعم بذلك الحديث الجميل.
كان الشيخ - رحمه الله - يتهيأ لمغادرة المكان ولكنه حينما دخلت، وسلمت عليه، وعرفه بي أخونا الشيخ عبد الله الخميس، جلس وجلست أمامه، وبدأني بالحديث مشيراً إلى قيمة الشعر عند العرب، وإلى إعجابه بالمنهج الذي يسير عليه شعري حديثاً عن الإسلام وتصويراً لقضاياه ومنافحة عن أهل الحق، ونصحني بالثبات على هذا المنهج، ودعا لي بدعاء جميل، ثم حدثني عن حلقة والدي في الحرم، وأوضح لي أنه - رحمه الله - كان يمزج بين العلم والموعظة والطرفة التي تروح عن الحضور الكثيف الذي كانت تتميز به حلقة الوالد في الحرم المكي الشريف، وقال مبتسماً رحمه الله لقد كان أبوك ينشد كثيراً من الشعر في دروسه، وله منظومات شعرية، ولعل الشعر قد جاءك من قبله.
لقد تبين لي في ذلك اللقاء الذي لم يستمر أكثر من ثلاثين دقيقة ما لدى الشيخ عبد الله بن عقيل - رحمه الله - من ثروة أدبية كبيرة ودراية قوية بالشعر ونقده، ولذلك لم أعجب حينما رأيت كتابه اللطيف الظريف الذي يحمل عنوان (كشكول ابن عقيل)، فهو كتاب أدبي جميل يمثل ذلك الجانب الأدبي في شخصيته التي جمعت بين العلم والأدب وحسن الأداء في العمل الوظيفي في مجال القضاء وغيره من المجالات التي أسندت إليه في مسيرته الحافلة بالعطاء.
كشكول ابن عقيل، حكم ونوادر وألغاز وأقاويل، جمع الشيخ مادته المنوعة واعتنى بإخراجها عبد الرحمن بن علي العسكر.
أهداني الأخ الكريم الأديب (حمد بن عبد الله بن عقيل) أحد أبناء الشيخ كتاب الكشكول في مدينة بريدة بتاريخ 10-6-1432هـ حيث التقينا في حفل تدشين جمعية رعاية الأيتام في بريدة (أبناء) بدعوة من رجل الأعمال الشيخ (عبد الكريم الجاسر)، وسعدنا بقضاء ليلة أديبة كان الشعر فيها حاضراً من خلال ما شارك به الأستاذ (حمد ابن عقيل) من قصائد ظريفة، والأخ حمد مغرم بالأدب والشعر، متابع له، وله علاقة خاصة بشعري قراءةً ومتابعة لما ينشر منه عبر الصحف والمواقع الإلكترونية، أو عبر الدواوين المطبوعة، ولهذا حظيت منه بإشارات وتعليقات ذات قيمة في هذا المجال.
قرأت معظم كتاب (كشكول ابن عقيل) في تلك الليلة، وهو كتاب من القطع الكبير يقع في أكثر من ثلاثمائة صفحة، وأتممت قراءته في الرياض خلال ثلاثة أيام لما فيه من التنوع البديع، فهو كتاب حكم ومسائل علمية خفيفة، وطرائف ومعلومات عامة أحسن الشيخ انتقاءها وأجاد في اختيارها.
إنه كتاب لافت للنظر، يدل على ما كان يملكه من ظرف ولطف وهو العالم المتخصص في الفقه الحنبلي حتى أطلق عليه (شيخ الحنابلة) وأصبح مرجعاً في هذا المجال، تتلمذ فيه على يده مئات من أساتذة الفقه الحنبلي، وشيوخه وطلابه.
(كشكول ابن عقيل) كتاب يستحق القراءة لأنه يضم علماً وأدباً وفقهاً وطرائف تضيف إلى عقل من يقرؤه معرفة وثقافة وفهماً.
حينما اتصلت بأبنائه الكرام معزياً تحدثت مع عدد منهم، في مقدمتهم الأخ الفاضل الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن عقيل، وكلهم ذوو مكانة في العلم والأدب والوظيفة ويعدون جميعاً تلاميذ الشيخ - رحمه الله - فقد أفادوا من علمه وأدبه وخبرته في الحياة.
رحم الله الشيخ عبد الله، وأسكنه فسيح جناته، وأحسن عزاء الجميع فيه.
إشارة:
لئن أصبحت مرتحلاً بجسمي
فعلمي عندكم أبداً مقيم