«بفعل من؟» أول سؤال يطرحه السامع عند إعلان حدث سيئ ما. أما بعد 11 سبتمبر فالكل، بما في ذلك المسلمون والعرب يهوجسون أن الفاعل هو مسلم! وفي الغالب عربي! ويفاجئ الجميع ما قد يتضح لاحقا أن المجرم الدموي في النرويج مثلا, هو غربي متطرف يكره الإسلام والمسلمين وتحركه مشاعر الإسلاموفوبيا ومقت العرب.
عادة لا يستهويني الحديث في السياسة ولا شعارات التفرقة الدينية وهتاف الاستثارة الطائفية، فلدي حساسية من المتسلقين والمتصيدين, والحربائيين, والمستفيدين من كل كارثة ووباء، وتتعبني محاولة فهم تصريحات السياسيين التي لا تعرف المباشرة والصدق إلا في برقيات الوكيليكس, ومذكرات ما بعد مغادرة المنصب!.. ولا أقرب لشخصية السياسي المناور, أو الإعلامي المستفيد, من مدعي الطهر، ولا أقبح منهم إلا المتحكم المتوهم الذي يتسنم الجموع.. وينسى أنه بشر!
ابتلي عالمنا- بكل أصقاعه- بهذه النوعيات من الطحالب تنمو وتتكاثر في المناخات الخصبة واعتياد الناس وجود الطفيليات الماصة.
كما ابتلي بعشق «الزبدة» التي»تطيب المذاق» بموائد مترصدي الثراء السريع. وعند اللزوم «تدهن السير» كي تلتقي مصالح المستفيدين.
ومع هذا فلنتذكر أن أجواءنا الشرق أوسطية معكرة منذ أكثر من ستين عاما ليس بسبب الطحالب المحلية, بل بسبب تحويلها إلى معمعة صراعات فكرية وتناقضات عاطفية بفعل فاعل خارجي متقصد.
هناك من يدمغون كل مشكك بنظرية المؤامرة. وفي مقابل نظرية المؤامرة هناك الاستعداد لجلد الذات. الحق أن المؤامرة بدأت بإلغاء حق العرب في أرضهم منذ وعد بلفور ومنح أرض فلسطينية عربية لمهاجرين يهود، وليس من حقهم ذلك. ورفضنا وصرخنا وبكينا وضحكوا علينا وظلت إسرائيل تتنامى وفلسطين تتقلص.. حتى وصلنا أن نقبل بأن يبقى الاسم «دولة فلسطين» ولو في زاوية مقهورة فقط يعترف بها الآخرون، وما زلنا ندفع ثمن براءتنا أو غشامتنا.. فقد دعمنا دون قصد الفاعل المختفي والمخطط لكل خيباتنا. لسبب واضح مثل الشمس أن إسرائيل تُبنى لبقائها.. وخير ما يسرع ذلك أن ننشغل عنها بصراعات داخلية.. ونحن انسقنا لذلك. فيا لبؤس النتائج! كيف انتهينا بها!
وبمثال بدوي بليغ: الساحة العربية اليوم لطول ما خضوا مكوناتها في سياسات «فرق تسد» على مدى عقود, أمست مثل قربة اللبن مليئة بخميرة «الفساد» وزبدة «الفوضى الخلاقة» وحموضة «الطائفية». وشجعت أفعال كثيرين لا يستطيع المواطن الطيب أن يتعايش مع مرئياتهم مثل «ميكيافيلي» الذي شرعن الانتهازية في كتابه «الأمير» بمبدأ أن الغاية تبرر الوسيلة وهو الخيار الأفضل, و»نيرون» الحاكم المجنون الذي استمتع برؤية روما تحترق, أو الخطيب المفوه «شيشرون» الذي ظل يخطب عن مجد روما وأطرافها تتآكل.
ينصح الفرنسيون عند وقوع جريمة: فتش عن المرأة. وفي 11 سبتمبر لم يحتج أحد للتفتيش فالأدلة أعلنت حالا وصدقها الجميع، وتجاهلوا المستفيد الأول من التخطيط لحدوث الجريمة.. وهذا تغابٍ، والأغبى أن يتبنى القيام بدور البطولة أحد ما لمجرد أن تسلط عليه الأضواء، والأنكى أن تجد الغبي الذي سيقوم بدور البطولة الوهمي.
هو عصر تقبل المكيافيلية, والنيرونية, والشيشرونية, وتصديق أدوار البطولة المتخيلة, وغش المتلقي عالميا عبر وسائل الإعلام الموجهة؛ التي تذيع خطابات يلعلع بها من يؤكد العثور على جوازات « المجرمين»؛ أو يختزل وجود آلاف الثائرين في شوارع بلده بكونهم عملاء خونة أو جرذانا، يوجهها لمتلق خارج الحدود عبر إذاعات تتفادى نقل الحقائق وتتقن تسخير التقنيات الحديثة المتطورة في تزيف الأشرطة والأدلة.
يبقى لنا شعوبا وحكاما أن نستفيد من تجربة 11 سبتمبر في قراءة شوارع مدننا في 2011: ربما بيننا جالدو ذات مستعدون لتأكيد مسؤوليتنا عن الخطأ, وربما هناك منهم ومنا من يسوق -لغرض في نفسه- فكرة: «هؤلاء مجرمون شعوبا وأفرادا «! وربما بعض العرب والمسلمين يرضي غرورهم, أو يقنعهم أن يؤكد طرف غربي أن منهم من يتجرأ أن «يفعل علنا..!» حتى لو كان الفعل جريمة نكراء، ولكن الأجدى أن نميز بوضوح من منا أو منهم المستفيد من تفعيل «زبدة الفوضى الموصلة».. لدرجة التخطيط والاستعداد.. بخارطة مسبقة؟.