|
حوار وإعداد : محمد بن عيسى الكنعان
ما مدى أهمية إيجاد (دُور سينما) في المملكة ؟ وهل هي حاجة حضارية.. أم هي عامل هدم لمنظومة القيم الاجتماعية السائدة؟ هذه الأسئلة وغيرها ما زالت هي مدار الجدل بين المثقفين والشرعيين على ميادين الإعلام ومساحات النشر الإلكتروني، خصوصاً في ظل تدفق الأفلام السينمائية عبر عالم الفضائيات المفتوح، الحافل بمئات القنوات العربية والأجنبية، فضلاً عن انتشار محال الفيديو والأقراص المدمجة (دي في دي) في شوارع المدن.
للحوار حول هذه القضية المتجددة تستضيف (الجزيرة) الدكتور يوسف بن أحمد القاسم أستاذ الفقه المشارك في المعهد العالي للقضاء، والإعلامي الكاتب الأستاذ جمال خاشقجي.
حقيقة السينما
أول سؤال يمكن أن يتبادر إلى ذهن أي مهتم بشأن السينما وصناعتها ودورها الحضاري، هو: هل السينما في حقيقتها ضرورة ثقافية لأية أمة بحيث تسهم في رقيها الحضاري أم ترف حضاري ينزع للترفيه وتعزيز نمط الاستهلاك لدى الفرد؟
- الدكتور يوسف القاسم يحيل إجابة السؤال إلى واقع السينما، فيقول: (بالنظر إلى واقع السينما في الدول التي تسمح بها، ولا سيما العربية منها، فإنها لم تكن مجرد ترف، بل تجاوزت ذلك إلى المساس بثوابت المجتمع، ومنها القيم الدينية، والأخلاق الفاضلة)، ثم يحدد أكثر: (من هنا فإنه لا يصح أن يأتي أحد ويقول السينما كالكأس الفارغة يمكن أن تشرب فيها عصيراً أو خمراً؛ لأن الدول العربية التي سمحت بالسينما لم تتبن خيار شرب العصير، حيث تعج دور السينما بمشاهد العري أو الاختلاط بين الجنسين ومثيرات الفتن)، مشيراً إلى أن هذا الواقع لم يعد سراً، مضيفاً: (ومن يقوم بتصفح سريع لما يكتب في الإعلام المحلي أو العربي عن دور السينما وما يعرض فيها، يبدو له ذلك جلياً).
) الأستاذ جمال خاشقجي يجيب على السؤال بسؤال استنكاري بقوله: (وهل المسرح ضرورة أم ترف استهلاكي، والغناء كذلك، بل حتى فنوننا الشعبية؟)، ثم يجيب:
- (السينما إبداع إنساني، والإبداع لا يمكن قياسه بسؤال هل هو ضرورة أم لا، مثلما نسأل عن الكهرباء مثلاً. نعم نستطيع أن نعيش بدون سينما، ولكن سنشعر بشيء ينقصنا نعوّضه كلما سنحت لنا الفرصة).
دُور السينما
بعيداً عن مبررات الممانعين للسينما أو المطالبين بها.. ما مدى الحاجة لوجود (دُور سينما) في المملكة ولماذا؟
- الأستاذ خاشقجي رغم اقتناعه بأهمية السينما، إلا أنه لا يتحمس لدور العرض الآن، مبرراً ذلك بقوله: (الأفضل أن نؤجل هذه الأمر حتى تزول حالة الاحتقان والتخندق التي نعيشها، المجتمع سيقبل بالفكرة كاختيار عندما تعود روح التسامح وحسن الظن، أما الآن فلا نحتاج إلى مسألة نضيفها لصراعاتنا الفكرية وتحزباتنا، لدينا أوليات أدعى وأهم تصب في الصالح العام وتخدم الاقتصاد الوطني ولمّا نحسمها بعد للأسباب المذكورة آنفاً، لنتفق عليها ثم نطرح موضوع دور السينما).
الدكتور القاسم يربط هذه الحاجة بضرورة وجود معايير لهذه الحاجة، وأن العالم اليوم انفتح على مصاريعه، وزحفت كل أشكال التمثيل الفني إلى الشاشات الفضائية وعوالم الشبكة العنكبوتية وغيرها، غير أنه يعتبر ذلك على مستوى الأفراد، فيقول: (الفرد في بيته هو الذي يحكم نفسه بنفسه، وهو الذي يختار أن يرى ويشاهد ما يريد وله رب يحاسبه يوم القيامة، أما على مستوى المجتمع، فلا يجير المجتمع لحساب فرد أو أفراد غير متخصصين في الشريعة، لأن مأسسة السينما أمر يتعلق بمصلحة أو مفسدة عامة مما له اتصال بالحلال والحرام، ولأنه يكون في صورة مؤسسة أو شركة فهذا يتطلب أن يكون السبب ذا غرض مشروع، وحتى يكون الغرض مشروعاً فلا بد أن يكون موافقاً للشرع والنظام، فلا بد أولاً من صدور فتوى من جهة علمية موثوقة كهيئة كبار العلماء، أو اللجنة الدائمة للإفتاء تؤيد ذلك، ثم لا بد أن يكون موافقاً لأنظمة الدولة)، ثم ينبه إلى أن الحاجة ماسة اليوم إلى جذب كل ما من شأنه أن يغرس الأخلاق ويعزز من روح الأخوة والمحبة).
لكن هناك روايات عديدة تؤكد أنه كانت هناك دور سينمائية في بعض مدن المملكة قبل أكثر من ثلاثة عقود؟
- يرد القاسم مستبعداً وجودها: (لا أدري هل كانت موجودة أو لا، حتى أقول إنها اختفت أصلاً، لكني أستبعد أن تكون قد وجدت في بيئة محافظة كمجتمعنا). في المقابل يؤكدها الأستاذ خاشقجي بقوله: (هذه ليست روايات، بل حقائق، هذه الدور المتواضعة اختفت عندما علا التشدد، مرحلة تاريخية دفعنا ولا نزال ندفع تكاليفها).
هذا يقود إلى سؤال محدد: هل افتتاح (دُور سينما) في المملكة مرتبط بقرار سياسي؟ أم بتغير الموقف الديني؟ أو بمطالبة واسعة من الاجتماعي؟، الإجابة لم تختلف بين الضيفين، فخاشقجي يراه في كل ما سبق، والقاسم يحدده بدستور المملكة، وهو النظام الأساس للحكم، حيث إن الأمر يستدعي الحكم الشرعي؛ التزاماً بهذا النظام.
ولكن في ضوء إجابة القاسم هناك من يقول إنه لا توجد فتوى شرعية واضحة تحرم (دُور السينما)، على اعتبار أن السينما وسيلة يمكن استخدامها في الخير أو في الشر؟
- فيرد الدكتور القاسم: (لو أفتى الفقيه أو طالب العلم بمعزل عن الواقع فإنه سيُنتقد مباشرة، وبالتالي فإنه لا يصح الفتوى في دور السينما بمعزل عن واقعها، وأدع القارئ يفتي نفسه بنفسه بعد استطلاع الرأي عن قدر السينما المحافظة وغير المحافظة، صدقني لن يُصدم القارئ عندما يجد أن استطلاع الرأي كان مخيباً للآمال.
- أما الأستاذ خاشقجي، فيقول: (لا توجد فتاوى، سنلوي عنق النصوص إن حاولنا إجازة ما يحصل في السينما بشكل مطلق).
إذاً لماذا نرفض دُور السينما رغم أنه بالإمكان استغلالها في عرض أفلام ذات أفكار إيمانية وقيم سامية؟ أعطني أولاً نماذج من واقع السينما العربية، وكم نسبتها من الأفلام الأخرى التي تخدش الحياء والفضيلة.. هكذا يجيب القاسم، بينما يرد جمال:
- (سيحصل هذا، السينما أداة للخير بقدر ما هي أداة للشر).
الرقابة السينمائية
ما سبق يقودنا إلى مسألة الرقابة الفنية، سواءً على مستوى الإنتاج أو العرض، ألا يمكن إزالة القلق من افتتاح دُور سينما في المملكة بإخضاع أفلامها للرقابة الحكومية (قبل العرض)، وكذلك الرقابة الاجتماعية والمؤسساتية (بعد العرض)؟ كما هو معمول به في الدول المجاورة؟
- الأستاذ جمال خاشقجي يؤكد ذلك، ويضيف: (رقابة وزارة الإعلام أفضل من رقابة العامل الهارب من كفيله، الذي يبيعك آخر الإصدارات في شارع الأمير محمد بن عبد العزيز - التحلية سابقاً).
- غير أن الدكتور يوسف لا يرى فاعلية الرقابة، رغم أنه يشير إلى أهميتها، فيقول: (المهم الرقابة الشرعية، والحكومية، والاجتماعية، وواقع إعلامنا المحلي يدل على أن الجواب على هذا السؤال هو بكل بساطة: لا).
ولكن ماذا لو تمَّ فصل بين الجنسين في دور العرض، ومراقبة شرعية للأفلام قبل عرضها، هل يتغير موقف الديني ولا يمانع بافتتاح دُور سينما؟
- الدكتور القاسم لا يعتقد بتغير الموقف، معللاً بقوله: (لأن الدفع الآن باتجاه الخلط، وليس الفصل، خلافاً للموقف الشرعي الرسمي، وآخرها فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء بمنع الاختلاط في مقر العمل والتعليم، والفتوى جاءت بالمنع بناء على معطيات عديدة، وبالتالي لا يصح أن نغرد خارج السرب، فنفترض شيئاً غير حقيقي أو واقعي، ثم لنصلح مشاهد التمثيل المحلية، ولنجعلها محتشمة، ومعبرة عن ثقافتنا السعودية).
- يتفق مع ذلك الأستاذ خاشقجي، فيقول: (الموقف الديني في تركيبته الحالية لن يغير رأيه مطلقا ًحيال موضوع السينما والفن والغناء وقيادة المرأة للسيارة والبنوك وغيرها).
ولكن موقف الرفض الديني من القنوات الفضائية في السابق تلاشى تقريباً وحلَّ محله ضرورة الدخول فيها وتشكيلها لخدمة الدين واللغة.. ألا يمكن سحب ذلك على السينما؟
- نعم سيحصل هذا عندما يشيع التسامح بيننا - هكذا يجيب خاشقجي - موضحاً: (والتسامح الذي أقصد هو قبول الرأي الآخر، أي قبول التعددية في الاختيارات المتنوعة بين الناس، كما أن أساس التسامح هو حسن الظن في الطرف الآخر مهما اختلفت معه، بمعنى افترض حسن الظن في أن السينما التي تريدها لن ُتفسد المجتمع وأن الدولة حريصة على سلامته وأخلاقه مثلهم تماماً).
- في المقابل يرى القاسم أن الرفض طبيعي، معللاً بقوله: (لم يكن حينها قنوات محافظة، الآن الوضع اختلف فاختلف الموقف، يوجد الآن أكثر من خمسين قناة محافظة، وأطباق متخصصة في بث القنوات المحافظة، والذي كان له موقف ممانع لم يغير موقفه، ولا يزال يلح على ضرورة وعي الأسرة وراعيها بما يبث.. نعم قد يكون هناك من غيَّر رأيه في موضوع النظر أو المشاركة في القنوات التي تحظى بقدر كبير من المحافظة، وفيها بعض المخالفات، ولكن لأن ما تبثه من أشياء نافعة تفوق ما فيها من سلبيات، لذا قد يغير الشخص رأيه، ولكنه لا يزال ينطلق من منطلق شرعي، خلاف الموقف من القنوات التي يغلب عليها عدم المحافظة فلم يتغير، بل الفتاوى الصادرة في شأنها منشورة ومتداولة).
المشاهدة السينمائية
الحديث عن القنوات الفضائية يطرح سؤالاً وجيهاً وهو ما الفرق بين مشاهدة الفيلم السينمائي في المنزل ودار السينما؟، ألا يشير انتشار محلات الفيديو والأقراص المدمجة وتجهيزات السينما المنزلية إلى وجود تناقض في التفكير الاجتماعي المحافظ؟
- الدكتور القاسم يرى الفرق كبيراً، موضحاً بقوله: (إذا كانت السينما ستتبنى خيار التخفف من القيود الشرعية، وتقتحم منهج الولوج في المحرمات كما هي طبيعة السينما كواقع معاش في الدول العربية، فالفرق هنا هو الفرق بين المجاهرة والإسرار، والشارع الحكيم فرق بين المجاهرة بالمنكر وبين الإسرار به، وعظم ذنب الأول وعقوبته، وخفف الثاني، وأمر بفضح الأول، بينما أمر بستر الثاني، وبالتالي فتبني خيار فتح دور السينما يكرس النموذج الأول. ثم إن المشاهدة في المنزل هي قرار من الفرد ذاته، ويمكن أن يتبنى قرارات كثيرة ممنوعة، ولا أحد يعلم به، ولم نؤمر بالتنقيب عما يقع في بيته، وأما دور السينما فهو تبنٍ عام، ويكون خيار جذب للآخرين، ولهذا لا بد أن يكون العمل مسموحاً به شرعاً، ونظاماً. وأما محلات بيع أشرطة الفيديو والأقراص المدمجة، فهي تُعطى نفس الحكم، فإذا كان الغالب هو بيعها فيجب منعها، ووجود مخالفات شرعية في شيء ما لا يعني إضفاء الشرعية على محظورات أخرى. علماً أن الغالب في الأقراص المدمجة أنها تستخدم فيما يُباح، لا فيما يُحرم، والدولة تلاحق من يبيع الأقراص وأشرطة الفيديو الإباحية ونحوها، وهذا يفتقر إلى التبليغ عن المخالفة، حتى في محلات بيع أشرطة الفيديو، علماً بأن المشاهدة هنا تكون على مستوى فرد، لا جماعة).
- غير أن رأي الأستاذ جمال يبدو مغايراً نوعاً ما، معتبراً السينما ترفيهاً عائلياً، كما يقول: (لا يوجد تناقض على مستوى الفرد، فالمسألة اختيار. أما على مستوى التفكير المحافظ، فأعتقد أن المحافظين لو استطاعوا أن يمنعوا محلات الفيديو والأقراص المدمجة لفعلوا، ولو استطاعوا أن يتحكموا بالقنوات الفضائية المنزلية لفعلوا، لذلك لا يُوجد تناقض في موقفهم، إنما ذلك مرتبط بمدى قدرتهم على المنع أو الرفض، كما أنهم ينظرون إلى دور السينما أنها من باب إشاعة الفاحشة على العموم، وتشجيع الناس عليها من خلال السماح لها، أما القنوات الفضائية والأقراص فهي محددة بالمنازل وخلف أبواب مغلقة).
في السياق ذاته تشير دراسة إلى أن (80%) من مرتادي (دُور السينما) في دولة خليجية مجاورة هم من السعوديين.. ألا يمثل ذلك هجرة للمال في الوقت الذي يمكن الحفاظ عليه وفق تقاليد المجتمع وقيمه؟ - خاشقجي يرى المسألة بشكل أكبر فيقول: (ليس ذلك وحده، وإنما السياحة كلها متضررة، ما الفرق بين دبي وجدة في الصيف الملتهب؟ معاذ الله أن أقول إن من يختار السفر إلى الخارج للسياحة يبحث عن الحرام، كلنا نرفض ما هو حرام قطعاً، حتى لو وقعنا فيه، ولكن معظمنا يريد ساحة متسامحة للسياحة العائلية).
- على النقيض يبدو موقف القاسم، الذي يؤكد أن المحافظة على ضرورة حفظ الدين مقدمة على المحافظة على ضرورة حفظ المال لو وقع بينهما تعارض، ولهذا يقول: (لا يصح شرعاً أن نخرق محظوراً من المحظورات لما يكتنفه من المفاسد بحجة عدم هجرة الأموال إلى الخارج، فالأموال التي يعزم أصحابها على هتك المحظورات بها لا حرمة لها)، ويضيف: (لو كانت هذه الحجة في السؤال منطقية، لقيل بتوفير الخمور لدينا؛ لئلا تهاجر الأموال إلى الخارج بحثاً عنها، وأنا هنا لا أُشبه دور السينما بشرب الخمور، ولكنه مثال واضح على أن هجرة الأموال قد تكون بمبرر غير مقبول).
- وعليه يرى الدكتور يوسف القاسم أن تنامي معدلات البطالة لدى شريحة الشباب يُعالج بتعاون الجهات الحكومية والأهلية في الحد منها، في إجابة على من يعتقد أن دور السينما طريق لتوجيه الشباب واحتواء أوقاتهم بعيداً عن مسارات الانحراف والجريمة، في ظل تنامي معدل البطالة وتزايد أوقات الفراغ لديهم، كما يضيف: (أما ملء وقت الفراغ، فالأمور التي أباحها الله تعالى أكثر من الأمور التي حرمها، وتقصير الجهات المعنية في واجبها المناط بها لا ينبغي أن يدفعنا باتجاه فرض معالجات خاطئة، فيجب تعزيز المراكز الاجتماعية، التي تغذي فراغ الشباب بالملاعب والمسابح والمساحات المزروعة والتجهيزات الكاملة وغيرها، ولا أعتقد أن الدولة عاجزة عن توفير ذلك).
- على ذات المنوال لم تختلف إجابة الأستاذ خاشقجي، فقد جاءت مختصرة بقوله: (لا نبالغ، السينما لن تحل المشاكل التي ذكرت، إنها مجرد اختيار ترفيهي).
الإنتاج السينمائي
بغض النظر عن الخلاف حول دُور السينما، يبقى الإنتاج السينمائي هو المحرك الرئيس لصناعة السينما.. بل والمحدد للمادة المعروضة من حيث اتفاقها مع القيم أو تعارضها، وفي المملكة إنتاج الأفلام السينمائية سبق دور العرض، فكيف يمكن فهم هذه الحالة؟ وما دلالتها؟
- الأستاذ جمال خاشقجي يربط ذلك بمسألة الإبداع، فيقول: (لأنه لم يمنعهم أحد، السينما فن، والمبدعون يحبون تجريب كل شيء ولو وجدوا تشجيعاً لرأينا منهم أكثر. فلو افتراضنا أن قراراً قراقوشياً صدر بمنع قرض الشعر فهل يستجيب الشعراء؟ بالطبع لا إنما سيبدعون خلف أبواب مغلقة في نوادٍ مغلقة ويشتهر شعرهم أيضاً).
- إلا أن الدكتور يوسف القاسم يراها بشكل آخر بقوله: (يمكن فهمها أنها محاولة لسياسة فرض الأمر الواقع، ودلالاتها سلبية، ولا يصح أن تجتذب القرارات من صانع القرار بمحاولات فردية تناكف ما له تعلق مباشر بهويتنا الدينية).
ولكن ألا يُعد الإبداع السينمائي قوة مؤثرة للسعوديين لتحسين صورتهم في العالم وأن رفض ذلك يعد خسارة؟
- القاسم يرى اعتبار منع السينما عائقاً لتحسين صورتنا هو خلط للأوراق، ثم يحدد مشكلتنا بقوله: (الواقع يقول إن البرامج التمثيلية المحلية التي أشغلت الشارع السعودي هي التي شوهت صورتنا في الخارج، ولهذا انتقدها كُتَّاب كثيرون ممن لا يصنف أصلاً أنه من المتزمتين أو المتشددين، إن أردنا تحسين صورتنا فلنحافظ على مبادئنا، وقيمنا، والأخذ بأسباب التحضر الصناعي والتقني وغيرها، وملاحقة العابثين بأموال الوطن، وفرض الشفافية).
- يكرر خاشقجي بعدم المبالغة، ويكاد يتفق مع القاسم، بقوله: (أفُضّل ألف مرة دعم الهيئة العامة للاستثمار مثلاً لتحقيق موقع تنافسي للمملكة، ولكن من المفارقات أن رأس المال السعودي موجود بقوة في صناعة السينما المصرية مثلاً).
وماذا عن الوجه الثقافي والمستوى الحضاري للمملكة ألم يتضرر عالمياً لعدم وجود دُور سينما؟
- جمال خاشقجي يؤكد الضرر ولكن بالنسبة لقضية قيادة المرأة للسيارة، فكما يقول: (كلما جاء مسئول عربي فتح الموضوع مع بعض المسئولين عندنا، وكلما زار صحفي المملكة وكتب مقالاً موسعاً عنها مر على هذا الموضوع).
- وبالنسبة لدور السينما يقول: (نعم السماح لدور السينما يزيل بعضاً من الانطباعات السلبية أننا مجتمع مغلق ولكن «التوافق الاجتماعي» أهم).
- في المقابل ينفي يوسف القاسم ذلك، بل يؤكد قائلاً: (كثير من الدول المتحضرة لا تُعرف بدورها في مجال السينما، إنما بتقدمها الحضاري في مجال التصنيع، أو التقنية، أو الخدمات وغيرها، بل حتى الجانب الثقافي تصدره كثير من الدول الغربية بطبعتها الخاصة، فصدروا برامجهم السينمائية التي تعكس هويتهم الثقافية، ولكن العرب لم يصدروا ثقافتهم العربية المليئة بالنخوة والشهامة والكرم وصلة الأرحام والجار. وإنما تم تصدير مشاهد هزلية، أو مشحونة بالغرام والفتنة، تشوه الصورة الحقيقية للمشهد العربي، وهذا له انعكاساته السلبية ولا شك).
هذا يقود إلى سؤال حول تجربة السينما العربية، فإلى أي مدى بلغ التأثير الإيجابي لـ(دُور السينما) على مستوى الدول العربية التي لديها تجربة في هذه الصناعة؟
- يجيب الأستاذ جمال خاشقجي: (هذا موضوع يطول، السينما استخدمت في مصر زمن عبد الناصر لخدمة «الثورة» والنظام الجديد إلى حد كبير، ولكن كانت المشكلة في النظام وليس في السينما، إذ إنها أصبحت مجرد بروبجندا محترفة وساهمت في التضليل، وعندما أنتج فيلم الكرنك كان صعباً قبول هذا التحول من سينما النظام إلى سينما تفضحه، ثم وقعت السينما المصرية في فخ التهريج والتسطيح، نعم يمكن للدولة أو الأفراد أو أصحاب أية قضية الترويج لفكرتهم من خلال الفيلم وبتأثير أكبر من المقال، ويبقى السؤال وفق رأي الطرف الآخر، هل ذلك التأثير إيجابي أم سلبي؟).
- بينما يطالب الدكتور يوسف القاسم بنموذج إيجابي واحد فقط قدمته السينما في أية دولة عربية، ثم ينبه بقوله: (التمثيل السعودي متأخر جداً عن التمثيل العربي؛ فمثلاً وجدت مسلسلات تاريخية كثيرة تعبر عن حقب تاريخية ماضية، واستطاعت أن توصل رسالة إيجابية للعربي وغيره، ونجد في العديد من المسلسلات أدواراً متكلفة، وتمثيلاً يُعبر أحياناً عن احتقان، وصدرت فتاوى بخصوص مسلسلات معينة لطابعها السلبي، فكيف يُراد منه نجاح في مجال السينما، نحن لا نريد تنظيراً، نريد نجاحاً في مجال المسلسلات بما يعبر عن الهوية العربية المسلمة، وذلك حتى يقنعوا الناس بافتتاح السينما).