أواخر شهر رمضان المبارك اتفق جمع من الشباب عرب ومسلمون في العاصمة الفرنسية باريس على تحقيق فكرة كانت تراودهم ويتحدثون عنها لإقامة حفل إفطار جماعي بالهواء الطلق في حديقة برج إيفل تدعى إليه أسر وأفراد من كل الجهات والطبقات والطوائف علاوة على جموع من المسلمين، ومع تعاضد (الرأي والعزيمة) أخذت الفكرة طريقها للتنفيذ حينما شكل الفتيان لجان عمل وإشراف ومراسم، وما هي إلا أيام حتى رأوا ثمار جهودهم تظهر للنور وانضمام أعضاء جدد من مؤيدين وداعمين، وكان الهدف من إقامة حفل الإفطار بهذه الصورة إبراز القيم الرمضانية ومشروعية الصوم ومردوده الايجابي على الصائم من جوانب متعددة اعتنى بها الإسلام وحثّ عليها، كما كان من الأهداف المرسومة بيان عظمة الإسلام وما يدعو إليه من التسامح والتآلف والتقارب مع جميع الأديان السماوية، في البداية اصطدمت الفكرة باعتراض من الجهات البلدية المختصة من حيث التجمع في تلك الحديقة وافتراشها وتناول الطعام، وبرهن المنظمون أن الأنظمة لا تمنع ذلك فتم تجاوز هذه المسألة، وظهرت مسألة التجمع الديني لأغراض دعوية يخشى أن تكون لها تبعات سلبية غير مقبولة، فتم إيضاح الأهداف للسلطات والبرنامج الاحتفالي والمقاصد الحميدة من هذا العمل التطوعي، وعوائده الإيجابية على جميع الطوائف وما يرمي إليه من تقريب وجهات النظر بين دين وآخر، وتسليط الأضواء وجذب الأنظار لسماحة الإسلام وأنه دين الرحمة والمحبة والسلام، وتبيان فضل الشهر الكريم ومعانيه الجليلة وموقعه وقيمته الروحانية بين الشهور، و(بالحوار والمجادلة بالحسنى) حصل شباب العرب والمسلمون على بغيتهم، وأقيم الحفل الذي حضره عديد من الأسر العربية والإسلامية وجموع من الفرنسيين من غير المسلمين وجاليات من دول أخرى، واستمع الجميع إلى كلام مهذب مختصر عميق غير ممل وجاذب للتعريف بالإسلام وبرمضان، وتحدث عدد من غير المسلمين إلى وسائل الإعلام معبرين ومؤكدين أن بعضهم قد ازداد فهماً للإسلام وبعضهم قال: إنه لم يكن في الحقيقة يعرف شيئاً عن الإسلام غير اسمه، وأنه الآن أخذ فكرة جيدة ستقوده للبحث والقراءة عن مبادئ الإسلام، وأجمع الضيوف على حسن فكرة حفل الإفطار وأنها بادرة طيبة وجيدة تقرب الأفهام لبعضها بأسلوب متقدم وحضاري بعيداً عن صراعات الأفكار والتصادم بين الآراء، فالهدف كان واضحاً وجلياً والنوايا أكثر من حسنة، لذلك كانت النتائج كأفضل ما يراد من الفكرة، إذفالفكرة ناجحة في إبداء القدوة الحسنة والعمل الصالح بعيداً عن الأفكار المتشددة والآراء المتشعبة، والخطب المتشنجة، والإقصاء المذموم، واستقطاب أطياف والصدود عن غيرها مما يتعارض مع سماحة الإسلام وسمو مقاصده.. الشباب العربي والمسلم في بلاد الغرب كثير منهم- ولله الحمد- يقدمون نماذج رائعة للخلق الإسلامي القويم والمواقف النبيلة التي يتحلى بها المسلم على مدى العصور، ففكرة من هنا ومبادرة من هناك وسماحة في الدعوة ووضوح في الرأي وتناسي الجنس واللون والانتماء الجغرافي والنتيجة أجيال مسلمة ناضجة تعي الدرس الأهم وهو إحياء القدوة الحسنة بالدعوة إلى الله سبحانه.