حين تسير امرأة صومالية في السبعين من عمرها سبعة أيام متواصلة مشياً على الأقدام باتجاه مخيمات اللاجئين بحثاً عن الطعام، وقد تركت أحفادها يلهون ويعبثون بالمجهول بعد أن رحل عنهم والداهم وقضوا جوعاً مع بعض أولادهما، فإن الإنسان يقف خجلاً من أمرين أحدهما: حالة البذخ في المعيشة والإسراف الذي نزاوله يومياً ولا نرعوي، والآخر: حالة الحيرة والقلق التي تعتوّرنا ونحن لا نستطيع إنقاذهم إلا بالدعاء أن يلطف بهم ربهم بعد أن جاد المحسنون بما يقدرون عليه وهم في ريبة من وصول المساعدات إلى مستحقيها سالمة دون أن يواجهها القراصنة والعصابات المسلحة فتنهبها.
وفي الوقت الذي يحتاج فيه الصوماليون للطعام فهم أيضاً بحاجة للكساء والدواء والمياه الصالحة للشرب، عدا عن الأمن الذي تكمل به الحياة، حيث يمكن إطعامهم من جوع، ولكن كيف يأمنون من خوف؟!
إن معاناة الصوماليين لا تقف عن حد الماء والطعام والمأوى رغم نقصها، ولكنها تمتد إلى أمراض سوء التغذية ومضاعفات المجاعة التي تنخر أجساد الأطفال الذين كان قدرهم أن يشهدوا هذه الكارثة الإنسانية المريعة في ظل غياب كامل من المنظمات الإغاثية عدا عن النداءات دون التدخل الحقيقي لانتشال تلك الأجساد من موت محقق إن لم تشملهم عناية الله.
ولئن كان قدر الصوماليين أن تتزامن أزمتهم من الحروب والجفاف والمجاعة مع أزمات اقتصادية تحيط بالعالم المرفَّه، وتترافق مع ثورات سياسية ضد الظلم والاضطهاد عدا عن تغيرات بيئية من فيضانات وعواصف ورياح قاسية تدمر مدناً وبلداناً، فإن الله منقذهم بلطفه حتى ولو انشغلت الحكومات بورطاتها والشعوب بمصائبها.
وإن المرء ليرجو أن تقوم المنظمات الإغاثية المستقلة بإحياء الأمل في نفوس المكلومين وتضميد جراحهم وجمع شتات الأسر من خلال إنشاء مخيمات آمنة تشتمل على جميع الاحتياجات والضروريات من حفر آبار للمياه والتشجيع على الزراعة، وتحفيزهم على العمل والاستقرار بمساعدتهم على بناء مساكن ومساجد ومدارس ومستشفيات لحين بناء دولة صامدة تضمن - بحول الله - حياة كريمة لشعبها.
وينبغي التنبه لعدم التبرع إلا عن طريق جهات رسمية مخولة بتلقي المساعدات واللجوء لتنسيق دولي كالأمم المتحدة حتى لا تذهب الإعانات لغير مستحقيها فتكون وبالاً عليهم حين تستحوذ عليها العصابات المسلحة، فتدمرهم بها أو تقايضهم عليها.
فاللهم أبرم لحكومة الصومال أمر رشد يعز فيه المتقون والمخلصون من أهل الحل والعقد؛ لتجد هذه الأجساد الجائعة ما يكفيها، وتلك النفوس البائسة ما يزرع الأمل فيها، والقلوب الوجلة ما يسكن خوفها.
rogaia143@hotmail.comwww.rogaia.net