إن القيمة الحقيقية للوجود الإنساني على الأرض هي في عبادة الله سبحانه وتعالى، قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات 56)- ولقد قصر نظر من حصر العبادة فقط في أركان الإسلام فالعبادة ممتدة واسعة؛ فطاعة الوالدين ورعايتهما في كبرهما عبادة أيما عبادة، والتخلّق بأخلاق النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وبصحابته والتابعين لهم بإحسان في الأقوال والأفعال من العبادات، وخذ من ذلك رعاية الأبناء وتربيتهم والشعور بالآخرين والتطوع.
والتصدق والإحسان في وجوه الخير ودعم الأعمال الخيرية، كل ذلك من العبادة التي تفضي إلى إعمار الأرض ليس المقصود به التعمير البناء، وإنما عمارة الأرض بالخير والتصدق والإحسان وعمل الخيرات ودعم الأعمال الخيرية، وأن ممن نحسبها أن لها أيادي من دعم الخير في بلاد الخير تلك التي ضاقت في عزائها السرادق من كثرة المعزين، ودمعت لفقدها أعين اليتيمات وممن أحاطتهم بشفقتها أميرة العطاء والسخاء الأميرة سلطانة بنت تركي السديري، حرم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز، فمن خلال المقروء والمسموع عن سمو الأميرة فيما يتعلق بسيرتها في دعم مشاريع الخير ليجد حقا أن خير الأعمال هي تلك التي يدعى لصاحبها بالخير قبل وبعد رحيله، وما تكون في رصيده للعالم الآخر الأبدي، ونقول في هذا المقام: طوبا لمن عمله الخير الطيب، خلد ذكره في الدنيا ونفعه في الآخرة.
إن مما علم عن هذه الأميرة الفاضلة حرص سموها على ألا يظهر ما تقدمه من أعمال في وجوه الخير مع أنه لا بأس في ذلك، ولكن هكذا هي وجهة نظر من يريد أن يكون العمل خالصا لوجه الله تعالى.
ومن الأمثلة على ذلك حرصها على عدم ظهور ما قدمته في جمعية الأمير فهد للكلى وغير ذلك كثير من الشواهد.
إن سيرة ذهبية كهذه أرى أننا مدينون لها بثلاثة أمور:
أولها: تدوين مثل هذه السيرة الطيبة التي تذكر بسير أمهات المسلمين الخيرات لتكون للمجتمع النسائي خير نبراس ومثالا يحتذي في أعمال الخير، ولعله ينبري لمثل هذا إحدى الأخوات الفاضلات المثقفات المتخصصات في كتابات وتدوين السير بمنهجية وبموضوعية متناهية.
ثانيهما: أن يطلق اسمها على أكبر الجوامع أو المجامع والمجمعات أو مقرات أو المؤسسات الخيرية الحديثة، أو ماهي قيد التنفيذ حديثا تخليدا لاسمها في عالم الخير ودعمه.
ثالثها - أن يؤسس باسمها جائزة كبرى تخدم كل المنتسبين والمنتسبات لأعمال مؤسسات وأفراد الخير رحمها الله رحمة واسعة، وأحسن الله عزاء الأمير سلمان وأبنائه. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.