لقد ابتليت بعض من الدول العربية والإسلامية منذ سنوات مضت بفتن عمياء تتعرض لها وهي تموج كموج البحر يتلو بعضها البعض ويرقق بعضها البعض. حيث كثر فيها الاقتتال واستحرَّ فيها القتل الذي لم يتوقف والذي أخذ يلحق الأبرياء الذين ليس لهم ذنب أو جناية أو علاقة بأحداث القتال المؤلمة التي تدمى القلوب وتحزّ في نفس كل من في قلبه ذرّة من الإيمان. وأن هذه الحروب والفتن التي أطلّت برأسها على بعض البلدان العربية والإسلامية وحصل منها كثيراً من المجازر وسفك الدماء وهي تحصد الأنفس والأرواح من كبار السن ومن النساء والأطفال وتوجد الثكلى والأيتام وترمّل النساء وتأتي على الأخضر واليابس وتدمر الممتلكات بواسطة الأسلحة الحديثة المتطورة وبالمتفجرات التي لا تفرق بين المحسن والمسيء، والتي هي ليست كالحروب التي كانت تحدث في العصور الماضية والتي كانت لا تطال الأبرياء. إنما حين القتال كان يتبارز الند للند في ساحة الميدان بأسيافهما ودرقاتهما ثم يقتل أحدهما الآخر ويقتل الصف من المقاتلين مع الصف المقابل الآخر، وهم يتجالدون بالسيوف والرماح، فيقتل منهم من أراد الله له القتل في المعركة ويسلم من أراد الله له السلامة.
هذا، ولكن مما يؤسف له وقوع هذه الحروب والاقتتال بين ممن هم ينتمون إلى الإسلام، وما هي إلا مصائب وشرور قد حلت ببعض المسلمين. هذا وإن العرب قد قالت في أمثالها: إذا دخل الشر والاقتتال بين قوم وقوم، لقد أتتهم فالية الأفاعي. وهي حشرة في شكل الخنفساء مرقطة كريهة المنظر تكون في الأماكن التي تتواجد فيها العقارب والأفاعي. ولذا كانت العرب تضرب المثل بها في وقوع الشرور. والحروب والشرور تكرهها النفوس. وقد قال الشاعر زهير بن أبي سلمى:
وما الحرب إلا ماعرفتم وذقتم
وما هو عنها بالحديث المرجم
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة
وتضر إذا أضريتموها فتضرم
فتعرككم عرك الرحا بثفالها
وتلقح كشافا ثم تُنتج فتتئم
وقال شاعر آخر
رأيت الحرب يجتنبها رجال
ويصلى حرها قوم براء
ولقد تزول الحرب عن أرض بها
شبَّت وتبقى فوقها الأشلاء
جرت الدموع على دماء قد جرت
وجرت على تلك الدموع دماء
وقال شاعر أيضاً:
الحرب توسع من يصلى بها حرباً
يُتْم العيال وإثكال المثاكيل
هذا، وأن الحروب في هذا العصر لا يشتعل أداؤها إلا بالطائرات المقاتلة والدبابات والصواريخ والمتفجرات التي لا تبقي ولا تذر، والتي يحصل منها دمار وهلاك الأنفس وتيتمُّ الأطفال وترمُّل النساء.
فعسى أن لا تكون هذه الحروب والفتن التي حلَّت بديار العرب والمسلمين هي الفتن التي يكثر فيها الهرج والمرج. والهرج يقال إنه القتل، والمرج هو الفوضى وعسى أن لا تكون الفتن التي يتلو بعضها البعض كقطع الليل المظلم والتي تدع الحليم حيران.
فاللهم سلم سلم. هذا ومن المستحب من هيئة الأمم المتحدة ومن مجلس الأمن التدخل لإيقاف هذا القتل والاقتتال الحاصل في أرض الله المعمورة، ووفق اللهم من هم من العقلاء والحكماء وأهل الحلّ والعقد من ذوي الرأي السديد من العرب والمسلمين بالسعي حول إيجاد حل لهذه المشاكل التي تقلق العالم وصد هذه الحروب والفتن التي تشتغل في البلدان العربية والإسلامية ،وذلك امتثالاً لما جاء في قول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم في الآيتين {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ *إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الحجرات 9 -10) من سورة الحجرات.. وكذلك إطاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في الصحيحين في قوله: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، وهو أن تنهي الظالم عن ظلمه. وتمنع الظلم عن المظلوم. وذلك لكي يحل الأمن والأمان بهذه البلدان التي تعاني كل يوم يمرّ من القتل والاقتتال.
احفظ اللهم بحفظك وطننا وكافة أوطان الأمة العربية والإسلامية من الفتن والحروب والشرور بلطف ورحمة منك إنك على كل شيء قدير.
- جدة