|
الرياض - واشنطن - خالد المالك
يشكل برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي حدثاً تاريخياً غير مسبوق، وإنجازاً سوف يؤهل أبناء وبنات الوطن لخدمة الوطن والمواطن بأكثر مما لو اقتصر التعليم العالي على الجامعات السعودية. وتضيف هذه الخطوة التي قادها وأمر بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز خطوة أخرى وليست أخيرة إلى ما تحقق في هذا العهد الزاهر من خطوات على طريق بناء المملكة ومواكبتها للمتغيرات والمستجدات العالمية، حيث أصبح الاهتمام بالعنصر البشري تعليمياً على أعلى مستوى وفي مختلف التخصصات مدخلاً للتطوير في مختلف المجالات الذي بدأت به المملكة، يؤهلها في ذلك ويساعدها على تحقيق أهدافه وضعها الاقتصادي الجيد وتنامي عدد السكان من الجنسين وما رافق ذلك من انتشار واسع للتعليم، ومن جهد كبير لتطويق ظاهرة الأمية التي ظلت لسنوات طويلة خلت تضرب بجذورها في المجتمعات وبين الأفراد.
وبالتأكيد فإنَّ الملك عبدالله بن عبدالعزيز ببرنامج الابتعاث الخارجي الذي أعطاه من اهتمامه وحدبه الأولوية على غيره من السياسات التي اتبعها في إدارته لمسؤولياته كملك لهذه البلاد وولي أمر لهذا الشعب، إنما يؤكد حرصه على أن يكون المواطن السعودي مؤهلاً لتولي مسؤوليات الأعمال في جميع المواقع التي يديرها غير السعودي، بما يتميز به من كفاءة وإخلاص وتأهيل علمي يسمح لصاحب القرار باختياره ووضع الثقة فيه لأن يكون شريكاً في كل المنجزات الحضارية والحياتية التي تشهدها المملكة في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها دول العالم، حيث الحاجة في كل مدن ومناطق المملكة إلى البناء والتطوير وتنوع الإنجازات، وحيث الحاجة إلى تفعيل دور المواطن السعودي ليكون دوراً إيجابياً بمشاركته في كل مراحل التنمية التي تمر بها المملكة.
ولا شك عندي أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز قد أدرك بثاقب نظره وخبرته وتلمسه لمتطلبات المملكة وشعبها في ظل مستجدات تمر بها دول العالم وتسابق بين الشعوب في امتلاك زمام المبادرة في استثمار كل ما تعلموه لتطوير بلدانهم. وهو ما يعني أن خادم الحرمين الشريفين بهذا البرنامج، إنما حرص على أن يكون المواطن السعودي ضمن من ينبغي أن توفر لهم فرص التعليم كما هو الوضع في دول العالم المتقدمة. وهكذا نرى أن السعوديين والسعوديات هم اليوم ينتشرون في كل دول العالم وفي قارات الدنيا، وعلى حساب الدولة، لينهلوا ويتعلموا في جامعاتها الأكثر تطوراً، ما يؤهلهم بعد عودتهم إلى بلادهم ليكونوا عناصر فاعلة وضمن منظومة القيادات والمسؤولين عن بناء دولتهم على النحو الذي يريده ويفكر به خادم الحرمين الشريفين من خلال استلهامه لفكرة هذا البرنامج للابتعاث الخارجي.
والمثير للانتباه في هذا البرنامج أن الابتعاث لم يقتصر على الرجال فقط، وإنما ساوى المرأة بأخيها الرجل في هذه الفرصة التعليمية وعلى قدم المساواة، دون أن يلقي صانع هذا الإنجاز اهتماماً بتلك الأصوات التي أرادت أن تجهض هذا التوجه الجميل، لقناعة الملك عبدالله بأن المرأة شريك مع أخيها الرجل في المسؤوليات والواجبات، وعليها ما عليه ولها ما له من حقوق بحكم المواطنة والانتماء، بما يؤكد مجدداً ودائماً حرص القيادة وتأكيدها على مكانة المرأة في مجتمعها، وعدم السماح لكائن من كان في تهميش دورها أو الحيلولة دون استفادتها من الفرص المتاحة لها تعليمياً سواء في الداخل أو الخارج، على أن ما يبعث على الشعور بالارتياح أن الأكثرية من المواطنين كان مع هذه الخطوة منذ بدايتها مؤيدين ومساندين، وأن من كان متردداً أو معارضاً في موقفه قد تراجع لاحقاً بعد أن لمس الالتزام والانضباط والشعور بالمسؤولية والانصراف إلى التعليم من السعوديات اللاتي سافرن لمواصلة تعليمهن في مختلف دول العالم.
ولا بأس من الإشارة إلى أن (من أهداف التنمية في المملكة) سعي وزارة التعليم العالي إلى دعم المرأة السعودية لمواصلة تعليمها العالي تمهيداً لإسهامها في التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية في البلاد، وذلك بشغل الوظائف والمهن، على أن الاهتمام بالعنصر النسائي لا يقف عند ذلك، فقد أشار كتيب أصدرته وزارة التعليم العالي إلى أن التوجه نحو زيادة فرص المرأة في التعليم العالي قد استدعى إلى إنشاء جامعة الأميرة نورة على مساحة تبلغ ثمانية ملايين متر مربع، وهي أكبر جامعة للتعليم العالي النسائي على مستوى العالم، حيث تضم 15 كلية وتستوعب 40 ألف طالبة، كما أن 23% من المشاركين في برامج الابتعاث الخارجي هم من السعوديات، فضلاً عن تقرير لمنظمة اليونسكو أشار إلى تفوق نسبة تخرج السعوديات من الجامعات على نسب النساء الغربيات في الحصول على الدرجات العلمية، وأن عدد الإناث بين طلبة وطالبات البكالوريوس في الجامعات السعودية ازداد ثلاث أضعاف في الفترة من 1995م إلى 2009م، حيث وصل عددهن إلى حوالي 413 ألفاً، بينما يُقدر العدد حالياً -أي في عام 2011م- بأكثر من ستمائة ألف طالبة، فيما لا يزيد عدد الذكور عن أربعمائة ألف طالب فقط.
وما دمنا نتحدث عن الاهتمام بالمرأة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فلابد من القول بأن الملك عبدالله منح عدداً من العلماء وبينهم مجموعة من الإناث وسام الملك عبدالعزيز، وذلك تحفيزاً لهن على التميز والإبداع، ومن بين هؤلاء الدكتورة خولة بنت سامي الكريع، التي تعمل حالياً كبيرة لعلماء السرطان بمدينة مركز البحوث بمركز الملك فهد الوطني التابع لمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض، وكذلك الدكتورة هدير بنت عبيد القثامي رئيسة قسم جراحة القلب بمركز الأمير سلطان لمعالجة أمراض وجراحة القلب بالمستشفى العسكري بالرياض، وذلك لما قدمته هاتان العالمتان من إنجازات بحثية وطبية متميزة بعد أن اعترف العالم لهما بالتميز في المجال الطبي، وهناك أسماء أخرى كبيرة في مجال البحث العلمي والأكاديمي مثل سميرة إبراهيم سلام وغادة المطيري وحياة سندي وثريا التركي وفاتن بنت عبدالرحمن خورشيد وانتصار بنت سليمان السحيباني، حيث حصلن على جوائز عالمية وأنجزن اختراعات علمية متطورة ضمن منجزات المرأة السعودية على المستوى الدولي. وكل هذا مؤشر على حجم الرعاية التي تنالها المرأة السعودية من لدن القيادة السعودية لتكون شريكاً للرجل، وذلك توافقاً مع ما رسمته خطط التنمية السعودية من أهداف لتنمية الموارد البشرية وتوظيفها لصالح مسيرة التقدم في البلاد، حيث يوجد في الوقت الحالي ما يزيد عن ثلاثمائة كلية ومعهد عالٍ متاحة للإناث ومنتشرة في جميع مناطق المملكة، كما تمثل الإناث ما يزيد عن 56.6% من جميع طلبة وطالبات الجامعات السعودية وأكثر من 23% من مجموع المشاركين في برامج الابتعاث الخارجي.
على أن حظ الرجل من التعليم وفرصه في الداخل والخارج لم يكن في أي يوم من الأيام موضع شك أو تجاهل، بل إنه كان الأسبق في فتح المدارس لتعليمه وفي تلقيه التعليم العالي، بل ونيله الفرص المبكرة ومتفرداً في الابتعاث، مما مكنه من أي يقود في مرحلة تأسيس الدولة التخطيط والعمل لكل ما آل إليه وضع البلاد من تطور خلال فترة زمنية قصيرة ما كان يمكن أن تتحقق لولا الإرادة السياسية التي سارعت إلى سد هذه الفجوة بتأهيل الشباب السعودي كي يأخذ مكانه في الوظيفة والإدارة والمسؤوليات بعد أن ظلت حكراً على غير السعوديين من عرب وعجم، وفي كل الحقول وجميع ميادين العمل، مما نبه المسؤولين آنذاك على أهمية فتح أول جامعة بالمملكة وهي جامعة الملك سعود عام 1957م لتتوالى بعدها إنشاء الجامعات، وبخاصة في عهد الملك عبدالله، حيث قفز العدد من ثماني جامعات إلى ما يربو على اثنتين وثلاثين جامعة حكومية وأهلية، إلى جانب عدد من المعاهد العليا والكليات. وكل هذا كان يتم بإشراف وتخطيط من وزارة التعليم العالي، ودعماً ومتابعة مباشرة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
وبالتأكيد فإنَّ الاستثمار في التعليم بفروعه وتخصصاته ومستوياته سواء في الداخل أو الخارج، هو الاستثمار الأهم وهو الربح الأكبر، وبه ومن خلاله استطاعت المملكة أن تتبوأ مكانتها بين الدول الأكثر تطوراً وعناية واهتماماً بالتعليم سواء العالي أو ما دون ذلك بما يمثله من مكسب كبير لا يمكن لعاقل أن يختلف حوله، أو يتردد في القول بأن دولة بلا مواطنين متعلمين لا قيمة لها ولا مستقبل ينتظرها، ذلك لأن الاعتماد في بناء الدول على غير مواطنيها هو اعتماد قاصر، ومحصلته النهائية تفشي البطالة والاتكالية وعدم الشعور بالمسؤولية والاسترخاء اعتماداً على غير المواطنين في كل شيء، وهي ظاهرة تشكل خطورة حتى على استقرار الدول وسلامة أمنها، فضلاً عن ضعف بنيتها الاقتصادية، وغياب المسؤولية الوطنية في كل هذا.
قصدت من كل ما سبق أن يكون جزءاً من مدخل للكلام عن برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، مستخدماً في بعض الحلقات القادمة الابتعاث إلى أمريكا كمثال على القيمة المضافة في عناية المليك بأبناء شعبه تعليمياً. واختياري لأمريكا كمثال سببه أن الحصة الأكبر في عدد المبتعثين والمبتعثات لإكمال دراستهم في مختلف التخصصات والجامعات والمدن والولايات هو في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن زيارتي لواشنطن والتقائي بالملحق الثقافي بأمريكا الدكتور محمد العيسى وحديثي معه حول التفاصيل الكاملة عن مسيرة المبتعثين هناك قد حرك الشعور لدي بأهمية الحديث عن المبتعثين السعوديين في أمريكا. لكن الحافز الأهم الذي عزز الرغبة لدي لكتابة هذه الحلقات هو حضوري ضمن بعض رؤساء التحرير والكتّاب والكاتبات حفل تخريج الدفعة الرابعة من الطلاب والطالبات المبتعثين ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين برعاية وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري، وكذلك يوم المهنة بما له من أهمية في إتاحة الشركات والمؤسسات للخريجين بالعمل لديها، ثم مشاركتي ضمن المدعوين في افتتاح المبنى الأنيق والجديد للملحقية الثقافية السعودية هناك، حيث تتوفر فيه كل المتطلبات والخدمات التقنية التي ستساعد جهاز الملحقية في إدارة عملهم بمرونة وسهولة ويسر، وبالتالي سيمكن ذلك كل المبتعثين من التواصل مع الملحقية من خلال البوابة الالكترونية لحل ما قد يواجهونه من معوقات، وما قد يطرأ على مسيرتهم التعليمية من جديد يستدعي الاتصال والتشاور وأخذ الرأي من الملحقية الثقافية.
يتبع غداً