لا تزال خلايا من مؤيدي القذافي في مناطق من طرابلس العاصمة وما حولها، ولا يزال المناهضون يحاولون إنهاء العملية بهجوم مضاد سريع. هنالك تغيرات متسارعة ومن المعتقد أن ما يسيطر عليه الثوار حالياً يقارب 95 في المائة من العاصمة، وهذا بالتأكيد مؤشر لبداية نهاية حكم القذافي، لقد انتهى بكل المعايير، وآخر ما سيطر عليه الثوار «دير الغنم» بمساعدة من قوات الناتو، وتعتبر منطقة استراتيجية مهمة. ومن غير المعروف عن مكان تواجد القذافي حالياً، هل هو في منطقة باب العزيزية؟ أو لجأ إلى مكان في الصحراء؟ وفي الغالب أنه لن يسلم نفسه وقد لا يأخذ حياته بنفسه مثلما فعل هتلر، وقد يلجأ في النهاية إلى دولة مثل فنزويلا أو تشاد أو السودان. ومن المهم إحضاره للعدالة؟ وهذه مسألة مهمة بالنسبة لليبيا وللإقليم وقد يحاكم دولياً مع ابنه سيف الإسلام، الذي كان له دور هام، وكان الساعد الأيمن والقائد للوحدة العسكرية المدافعة عن حكم أبيه. وبالنسبة للناتو فلقد تحولت مهماتها العسكرية مؤخراً تحولاً ملحوظاً من الدفاع عن المدنيين إلى شن غارات على طرابلس وما حولها. وهنالك أسئلة تتعلق بمصير ما يقارب 60 ألف من الجنود الليبيين الموالين للقذافي؟ ولقد اكتشف الثوار بعد الزحف على طرابلس أن هنالك العديد من السكان المناوئين لحكم القذافي والمؤيدين للحركة.
ثم ما بعد القذافي؟، ماذا سيكون الوضع عليه مع هؤلاء الثوار؟ يوجد ما يقارب 30 قبيلة و140 فخذا قبليا في ليبيا؟ والوضع في ليبيا المتمثل في قلة سكانها وغنى مواردها من النفط من المتوقع أن يساعدها في المرحلة القادمة، ولا يقارن وضعها بمصر، على سبيل المثال، ذات الحجم السكاني الكبير والموارد الاقتصادية المحدودة، فالوضع ليس سيئا كما يتوقع البعض، هذا لا يعني أن المستقبل سهل، لا بالنسبة لليبيا بل بالنسبة للمنطقة على وجه العموم، تركيبة ليبيا القبلية تشبه الحال في الصومال، ولكن موارد ليبيا النفطية ستعمل لصالحها على المدى الطويل. وسوف يتطلب الأمر ما لا يقل عن عشر سنوات إن لم يكن خمس عشرة سنة لكي تستقر أحوالها ويكتب دستورها وتشكل حكومة ائتلاف فيها ترضي جميع الأطراف وتعمل على إدارة البلاد وتحقيق العدالة للمواطنين. والوضع هنا يختلف عما حصل في العراق حيث إن أصحاب القرار هم الليبيون ولكن بمساعدة من الدول الخارجية. والدول التي ساعدتها وسوف تساعدها، بما في ذلك دول حلف الناتو، ستستفيد مؤكدا من الأموال التي سوف تستثمر لإعادة بناء ليبيا.
هنالك من له نظرة تشاؤمية بالنسبة لمستقبل ليبيا ولكن في ضوء الموارد الاقتصادية والحجم السكاني المحدود، كما ذكر، وما يتوقع من استغلال لهذه الموارد وإتاحة لفرص العمل وتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء لما دمرته المعارك، فإن المستقبل الليبي سيكون أكثر إشراقاً وتفاؤلاً مما يظنه البعض. وإذا كانت ليبيا ليست استراتيجية بالنسبة لأمريكا، إذ تستورد 2 في المائة فقط من النفط الليبي. أما استراتيجيتها بالنسبة للدول الأوروبية فواضحة للعيان لقربها الجغرافي ولعلاقتها الحيوية مع الدول الأوروبية، وأعظم منها من الناحية الجيوستراتيجيية سوريا لوقوعها بين العراق ولبنان والأردن وفلسطين وتركيا، فمن هذه الناحية تحتل سوريا مركز الأحداث وبؤرة الصراع السياسي والعسكري والطائفي، إذا ما قورنت بدول عربية أخرى. ومن الواضح أن الثلاثة من الرؤساء العرب المرشحين للمغادرة: الليبي واليمني والسوري، إذ لم يكن أي واحد منهم صديقاً لشعبه، بل عدوا له.
alshaikhaziz@gmail.com