كم هو جميل أن تعيش ساعات دون كلام، وتتحاور مع الآخرين بلغة الإشارة فقط!
هذا ما حدث لي في أيام العيد، حيث قضيت أجواء خاصة بفرحة العيد مع صم وبكم، خصصت لهم أمانة الرياض مشكورة فعاليات العيد بمسرح «صوامع الغلال ومطاحن الدقيق»، فقد تعرفت عن قرب على معاناة وطموح هذه الفئة الغالية من مختلف الأعمار.
فلك أن تتخيل أن كل الموجودين والمنظمين للفعاليات هم من الصم والبكم تجمعوا لتكون لهم الغلبة، يتواصلون بينهم «بإشارات» و»إيماءات» سريعة، لا يعرفها سواهم، حتى أنني شعرت «بالإعاقة» في عدم التواصل معهم، ومعرفة ما يدور حولي بداية الأمر؟!
هؤلاء لهم همومهم الخاصة، في مختلف مناحي الحياة، ولهم مواقفهم الطريفة والمحزنة التي يرونها لك، وكيف يقضون يومهم في الحياة الخارجية مع مختلف الناس، وكيف أن البعض قد لا يعيرهم اهتماماً، ويعتقد أنهم مغيبون عن فهم ما يجري حولهم، وهو أمر غير صحيح.
أكثر ما يقلقهم اليوم هو مستقبلهم نتيجة نظرة المجتمع الخاطئة لهم، وعدم اعترافه بقدراتهم، وحرمان الكثير منهم من مواصلة تعليمهم الجامعي رغم وجود قرار بقبولهم واستيعابهم في الجامعات السعودية، ولكن لعدم تفعيل هذا القرار بشكل كامل، ولمعاناتهم المستمرة وعدم قبولهم في مقاعد التعليم الجامعي، استعانوا بأقدم فرقة مسرحية للصم في الوطن العربي بهدف إيصال صوتهم مستفيدين من فعاليات العيد، من خلال تقديم مسرحية «أريد الجامعة.. ولكن؟!».
المسرحية الصامتة، والتي يتم الحوار والنقاش فيها بلا صوت للممثلين المبدعين من هذه الفئة، والتي تعكس معاناتهم التعليمية بشكل كوميدي وساخر من المجتمع الذي قد يسخر بعض أفراده منهم، حيث تعج المدرجات بالتصفيق مع بعض المشاهد التي يتفاعل الجمهور معها بحماس، بينما أنا أقلب عيني في السماء محاولاً اللحاق بهم وفهم «الأفيه الكوميدي» الذي قادهم للضحك.
هذه المسرحية وبحسب ما ذكره لي «المدير التنفيذي للجمعية السعودية للإعاقة السمعية» نجحت في تفعيل القرار السابق، وإعلان جامعة الملك سعود لقبولهم واستيعابهم بعدما تسربت وتحدثت بعض المواقع الإلكترونية عن التحضير لهذا العمل، حيث عمت الفرحة المكان، وهو قرار تشكر عليه الجامعة، لفتحها الطريق أمامهم لتحقيق أحلامهم!
ولكن السؤال الأهم: لماذا حرمت مثل هذه الفئة الغالية علينا من حقوقها التي كفلها لها الإسلام أصلاً واستشعرها ولي الأمر؟!
ومن المسئول عن تعطيل قبولهم عبر مطالبتهم بالتأهيل المسبق دون غيرهم من الفئات الخاصة، وهو ما تسبب في حرمان الكثير منهم من مواصلة تعليمهم في المرحلة الجامعية؟!
هؤلاء يملكون عقولاً ناضجة، ومفكرة، ويحملون أحلاماً وآمالاً وطموحاً منقطع النظير لخدمة أنفسهم ومجتمعهم، ورغبة جامحة للتغيير من حالهم «نحو الأفضل».
فلنساعدهم ونستوعبهم في مؤسساتنا التعليمية والمهنية بشكل أكبر، ولنتيح لهم فرصة نحو «غد أفضل» سيصنعونه بأيديهم، ولنشعل لهم فقط «شمعة» تضيء دروبهم الصامتة فلهم جميع الحقوق كما للأسوياء منا ولا ينقصهم شيء.
ما يعيقهم ويحز في خواطرهم، وتقرأه اليوم في «عيونهم» البريئة والمليئة بالطموح، هو نظرة البعض «القاصرة نحوهم»، واعتبارهم أقل قدرة من غيرهم.
وعلى دروب الخير نلتقي.
fahd.jleid@mbc.net