حدثت في الأشهر الأخيرة عدة أحداث عالمية أبسط ما تُوصف به بأنها أحداث تدل على أن العالم الأول (كما يُصنف) مهما بدا من الخارج فوضوياً يتحكم فيه القوي، إلا أنه يحارب التجاوزات الأخلاقية التي تتجاوز حدود المهنية وما اتفق عليه من أخلاقيات تحترم الإنسان بالدرجة الأولى.
هناك قضية رئيس البنك الدولي ستراوس وتهمة اعتدائه على فتاة ضعيفة تعمل خادمة. قوة المعتدي وضعف المُعتدى عليها لم يطمسا القضية ببساطة، وقد أسهمت في تكليف رئيس البنك الدولي منصبه إلى فقده في ظلال الفضيحة. ليس المهم كيف ستنتهي التحقيقات في هذا الشأن، فالعبرة في الموقف العالمي المتحضر من حدث كهذا. ربما أخطاء رئيس البنك الدولي المهنية السابق أو بعض المواقف السياسية، وحتى الشخصية أسهمت في عزله، لكن المؤكد أن الاعتداء على فتاة أمر أخلاقي لا يُغتفر، حتى ولو كانت تلك الفتاة ضعيفة تعود أصولها إلى إحدى دول العالم الثالث الضعيف، وقد أسهم ذلك الاعتداء في تعجيل عزل رئيس البنك الدولي.
القضية الثانية رياضية أخلاقية، وللأسف أنها ارتبطت باسم إحدى الشخصيات العربية التي كنا ندعمها للعالمية. تلك هي قضية استخدام السيد محمد بن همام المرشح السابق لرئاسة الفيفا طرقاً وصفت عن طريق محكمة الفيفا بأنها غير أخلاقية وتتمثَّل في رشوة بعض أعضاء الاتحاد الدولي لكرة القدم. مرة أخرى لا يهمنا أين تصل الدعاوى في هذا الشأن وهل يستطيع ابن همام عكس الحكم الصادر بحقه بإيقافه مدى الحياة عن المشاركة في العمل الرياضي الرسمي، أم لا، لكن يهمنا القول بأن العالم لديه معايير أخلاقية ولا يحق لمن يملك أمولاً أن يشتري أصوات الآخرين أو ذممهم.
القضية الثالثة تتمثَّل في قضية إمبراطور الإعلام العالمي (كما يُوصف) مردوخ وإمبراطوريته الإعلامية، فبالرغم من القوة التي وصلتها هذه القوة الإعلامية وقدرتها على شراء ذمم السياسيين والنافذين في مجالات عديدة، إلا أن ذلك لا يمنع أن عليها الالتزام بأخلاقيات مهنية متعارف عليها بما فيها عدم التصنت على تلفونات الغير. لقد كلفت فضيحة التصنت تلك مردوخ ومجموعته خسارته بعض أعضاء فريقه وخسارته مجلة أخبار العالم التي اضطر إلى إيقافها وربما ما زال مطلوباً منه دفع تكاليف أكبر بسبب تجاوزات مهنية إعلامية. ليس هو فقط، بل حتى بعض المسئولين البريطانيين الذين لهم علاقة برئيس المجموعة الإعلامية وفريقه أو لهم علاقة بقضية التصنت على التلفونات، نراهم يتساقطون بدءاً من رئيس بوليس لندن وغيره من المسئولين. بل إن القضية تطال رئيس وزراء المملكة المتحدة، وإن هدأت تفاعلاتها بسبب موسم الصيف وإجازات الحكومة والبرلمان البريطانيين إلا أن فصولها لم تنته بعد.
لست هنا لأكتب عن تفاصيل تلك القضايا ولست هنا للقول بأن ذلك العالم مثالي مائة بالمائة، فقد تكون هناك قضايا وتصرفات أسوأ لم تُكتشف أو لم يُركز عليها، لكنها مؤشر لرفض التجاوزات الأخلاقية. الملاحظة الجديرة بالانتباه هي أن تلك القضايا تُكشف وتُثار في دول متقدمة، فهل يعني ذلك أن تلك الدول أكثر فساداً من بقية أجزاء العالم وبالذات الثالث منه؟ أم أن دول العالم الثالث ينهش فيها الفساد الأخلاقي والمالي والسياسي دون أن يلتفت له العالم؟
يبدو أن ما تكشفه ثورات الربيع العربي كافية للإجابة على هذه التساؤلات بالنسبة لعالمنا العربي.
malkhazim@hotmail.com