الحديث عن ارتفاع أسعار السلع الغذائية وغيرها بالسوق المحلي أصبح الشغل الشاغل للمستهلكين ومادة يومية بوسائل الإعلام المحلية تم تناولها من كافة الأوجه ولكن لم تفلح كل النداءات ولا التغطية المتواصلة إعلاميا في كبح جماحها واستمرت بالارتفاع غير آبهة بكل الانتقادات والاستغراب الذي أبداه المستهلكون.
فارتفاع الأسعار لم يستثنِ شيئا من السلع والخدمات إلا وطالها خلال الشهرين الأخيرين وخصوصا منذ بداية شهر رمضان المبارك وبالرغم من توفر السلع بكميات كبيرة إلا أن ذلك لم يعكس قواعد السوق المحددة للأسعار وهي العرض والطلب ورغم أن الحالة الموسمية لشهر رمضان والعيد ترفع الطلب على السلع والخدمات إلا أن ذلك لا يبرر ارتفاع الأسعار فمستوى الاستهلاك والطلب عموما على مدار العام يبقى نموه مستقرا وتوفر السلع كبير والأسعار العالمية للمواد الأساسية لم ترتفع بشكل كبير قياسا بارتفاعها محليا وهنا يأتي سؤال المستهلكين عن أسباب الارتفاع مشروعا ومنطقيا لأنه لم يجد تفسيرا مقنعا من التجار خصوصا أن ارتفاع الأسعار جاء بوقت محدد يرتفع فيه الاستهلاك بل ويكون الطلب على السلع ضروريا لا يمكن الاستغناء عنه أو تأجيله.
ولكن السؤال المشروع من يقرر مستوى ونسب الارتفاع بالأسعار وكيف يتم تحديده ولماذا هناك تباين كبير فيها بين سوق وآخر ومدينة وأخرى وأين هي الجهات الرقابية عن كل مايحدث؟ ورغم أن وزارة التجارة تبذل مجهودات كبيرة بالجانب الرقابي إلا أن جانب الرقابة يحتاج إلى جهود كبيرة ومن جهات مختلفة بمافيها المستهلك نفسه.
ومن الواضح أن قضية العرض والطلب ليست هي المحرك الأساس لتوجهات الأسعار بالفترة الأخيرة وإلا لماذا ترتفع أسعار بعض السلع قبل العيد بأيام قليلة وبنسب فاق بعضها الضعف كون استهلاكها مرتبطا بالعيد كالملابس وبعض أنواع الأغذية؛ فهناك حالة استغلال واضحة كما يبدو تتطلب رقابة ومحاسبة شديدة وسريعة حتى يكون مفتعلوها عبرة لغيرهم.
فالمخزونات الغذائية تكفي لأشهر عديدة إذا ما تم توقف استيرادها على سبيل المثال كما أن بقية السلع المرتبطة بفترة العيد تتراجع أسعارها بعد انتهائه مباشرة وتزداد عروض التخفيضات كذلك عليها بنسب تعيدها لسعرها الأساسي الذي كان قبل فترة العيد مما يعني أيضا أن هناك مبالغة بالأسعار غير مقنعة وغير مبررة.
إن رفع الأسعار له أضرار كبيرة ليس فقط على جيب المستهلك فقط بل على الاقتصاد بشكل عام لأنها ترفع التضخم وتزيد الضغوط على السياسة النقدية وعلى قدرة الفرد على التوفير وبالتالي على مساهمته بالاستثمار وكذلك تقليص إنفاقه أو تأجيله على سلع أخرى يكون بحاجة لها.
والجانب الأهم هو لمن تذهب فوائد ارتفاع الأسعار فتحويلات العمالة الوافدة للخارج ترتفع سنويا وقد قاربت مائة مليار ريال سنويا وكون أسواق التجزئة تسيطر عليها العمالة الوافدة سواء بالعمل أو حتى بالتملك للمشاريع سواء بطرق نظامية أو غير نظامية فهذا يعني أن انعكاس رفع الأسعار ومتحصلاته لا تذهب لزيادة الاستثمار لرفع الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد وضخ رؤوس أموال تزيد الإنتاج والعرض بالنهاية وكذلك تشغيل المزيد من العمالة الوطنية ويكون فائدتها للخارج وسلبيتها على الداخل.
رفع أسعار السلع والخدمات يعد إشكالية لابد من السيطرة عليها وحصرها وتبديد آثارها السلبية من خلال ضبط السوق وعمل الدراسات حول أحجام الاستهلاك وأسباب الارتفاع بالأسعار في فترات معينة بقفزات كبيرة جدا ومساهمة كافة الجهات المعنية بمراقبة السوق وتطبيق العقوبات بشكل فوري على من يخالفون الأنظمة بل ووضع حتى ضوابط أو نطاقات سعرية لا يجب أن يتجاوزها حجم الارتفاع مع وجود ما يبررها بشكل منطقي بما يخص مدخلات الإنتاج وتكاليفها خصوصا إذا ما علمنا أن السوق السعودية هي الأكبر استهلاكا في المنطقة والأكثر جاذبية للاستثمار فيها.