حين نقول مدينة، نقول علاقة مدنية. أي علاقة مترابطة تقوم على قانون، وعلى تنظيم معيّن. أي ينتفي في هذه العلاقة التذرّر الاجتماعي القديم، القبلي، الطائفي، المناطقي. المدينة هي شبكة إنسانية، فيها مساواة، وفيها تنظيم واحد. المدينة العربية، بشكل عام، للأسف، مجموعة من تراكمات، تبدو وكأنها قبائل متجاورة لا متداخلة. مجموعة أحياء، لكل حي خصوصيته، ولكل حي - تقريبا - هويته، حتى فيما يتعلق بالتنظيم المدني العادي، تنظيم البلدية، مثلا.
تشعر، في مدن عربية كثيرة، أن هذا الحي أكثر نظافة أو تنظيمًا من الحيّ المُجاور، كما لو لم هناك عقل واحد يحكم المدينة، أو قانون واحد تخضع له المدينة، بجميع أحيائها. تشعر في أحياء تلك المدينة وكأنها مجموعة تراكمات، لا يربط بينها عمق تكويني. كأنها أحياء متجاورة، وليست بالمدينة.. المدينة.
الفوضى في المدن، قد تكون جميلة من ناحية، غير أنها قد تعكس فوضى اجتماعية وفكرية، وتباينات وتنافرات، من ناحية أخرى.
المدينة في الغرب قد تكون عدة مدن، لكن خيطًا عميقًا يجمع بين أجزائها، بحيث نرى لو توجهنا من باريس - مثلا - إلى ضواحيها، أن ثمة خيطًا مدنيًّا يربط المدينة بضواحيها. ليس في أكثر مدننا العربية هذا الخيط المدني الرابط. إن ضواحي مدننا العربية - عمومًا - عوالم مختلفة عن قلب المدينة.
الخيط المدني الجامع، الرابط، هو أن تشعر بأن المدينة هي كالبيت، وألاّ تكون مجموعة بيوت. كأن يكون في هذا البيت ضوء، فيما البيت الآخر مطفأ الأنوار. هذه الطريق التي تصل بين هذين الحيين ملأى بالأوساخ والغبار، في حين أن شوارع أحد الحيين نظيفة ومعبّدة ومضاءة. لكن الطريق التي تصل بين حيين آخرين مختلفة كليا.
ليست هناك عقلية واحدة، وروح واحدة، ونفس واحدة، للمدينة العربية، بشكل عام. أي أن المدينة مُفككة، ومجزأة، مثل أفراد المجتمع الذين يقطنونها..
غالبية سكان المدن في العالم، أصبحوا وكأنهم يلتقطون الصور، شأنهم شأن السياح الأجانب، أمام حقيقة موت الآخر، وموت الحقيقة. عابرون أُخفيت عنهم الحقيقة، أو أخفقوا في رؤيتها، لعماء ما نابع من ايديولوجيا الاستعلاء.
Zuhdi.alfateh@gmail.com