منذ اندلاع الثورة الليبية بات من المعتاد سماع ألفاظ نابية خارجة عن الذوق العام، فأصبحنا وأمسينا نسمعها عدة مرات من معظم القنوات الفضائية الإخبارية، وكادت تلك الألفاظ أن تكون مألوفة حتى أنها دخلت في قاموس المسلسلات، وأخشى أن تدخل في القاموس الاجتماعي العام. فالجرذان والفئران والصراصير بدلا من أن تكون في مخابئها بعيدة عن الشهرة والظهور، تقتات طعامها خلسة وبشق الأنفس، وتحافظ على حياتها؛ فقد أجبرت على الظهور وأصبحت تتجول بيننا بالصفات والكنى!!
وإن المرء ليخاف أن تكون تلك الصفات دارجة ومأنوسة مستقبلا فيعمد لها الناس بتسمية أبنائهم، فبدلا من إطلاق اسم ذيب وعقاب وشيهانة وغزالة تستبدل بصرصور وجرذي وفأرة!! وتخيل بعدها كيف ستتم المناداة!
وأخشى أن يأتي زمن يطلق زعيم على شعبه صفات الروائح السيئة وبعدها تختفي أسماء مثل نسيم وعبير لتحل أسماء نفايات وصرف صحي وزبالة ومستنقع.
وإن كان العرب يتفاءلون بإطلاق الأسماء التي تجلب السعد مثل اسم عيد حين تصادف ولادته العيد، أو فرح حين توافق مناسبة سعيدة، فإنهم بالطبع لا يحبون اسم حُزن، ويسمون بمطر وربيع ورمضان وغانم ورابح وسابح فلا يوجد اسم صيف وخريف وشتاء وفاقد وخاسر وغارق برغم منطقيتها أو حصولها أثناء الولادة. بل إنهم أطلقوا مسميات أكثر تفاؤلا حين سمّوا مجموعة المسافرين المغادرين بـ(القافلة) تيمنا بعودتها وقفولها راجعة، وأطلقوا على المريض (السليم) تفاؤلا بسلامته وعودة صحته.
وطالما كانت أسفار العرب تحمل الزخم الجميل بالألفاظ والصفات فلِم يستمرئ بعضنا خروج تلك الألفاظ السيئة ومخرج الكلام واحد، والحروف واحدة؟ بيد أنها تحتاج لترتيب وتنسيق.
ولئن أثبتت الأيام، وأكدت الوقائع، وبرهنت الحقائق على أن ثوار ليبيا لم يكونوا جرذانا ولا فئرانا بحسب وصف رئيسهم؛ بل كانوا نسورا وصقورا - حسب الوصف المعروف - فإن التاريخ لا ينسى أبدا بل إن ذاكرته حديدية! وسيذكر لمتصفحيه أن رئيسا نعت شعبه بأقذع الألفاظ، ووصفهم بأردأ الأوصاف. فإن كان يعتقد أنهم كذلك، فهل سيرضى أن يكتب التاريخ بأنه كان رئيس الجرذان إلا أن يكون جرذا كبيرا متضخما بذاته متلفعا ببردة الغرور والتكبر والازدراء؟ برغم أنه بالواقع إنسان قد كرمه الله، فالله تعالى يقول: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) وابن آدم لفظ عام يطلق على المسلم وغيره، وعلى الرئيس والمرؤوس، والكبير والصغير.
ولئن كان من السوء أن نسمع تلك الألفاظ من زعيم دولة؛ فإنه من الأسوأ أن نسمعها من الشعب ضد رئيسهم السابق بعد الانتصار، حيث عانوا من تلك الأوصاف، كما قاسوا من الاضطهاد، وكان ينبغي الترفع عنها والاقتداء بسيد الخلق عليه الصلاة والسلام حين طأطأ رأسه تواضعا وهو المنتصر برغم مكابدته القهر والتسفيه والتكذيب والتعذيب!!
وأني لأرجو أن تنقشع الغمة وندع مسميات الحيوانات (الداجنة والمفترسة والجوارح والزواحف والفواسق والحشرات القافزة واللاسعة) ونعاود تبادل الألفاظ الجميلة التي تليق بإنسانيتنا، والأسماء اللطيفة، فهذا بطل، وهذه عسل وذاك زكي وباسم، وتلك شذى وربى وغيداء.
rogaia143@hotmail.comwww.rogaia.net