بزمن تتلون به المشاعر بألوان الخريف الباهتة تحت مظلة المصالح الشخصية والتجاهل فوق موجة من بحر الأنانية تزداد الأسوار الشائكة المحيطة بدهاليز الحياة المظلمة النابضة بشريان الأحاسيس العقيمة والضمائر القابعة بجوف الشح الإنساني بعيداً عن شواطئ العطاء المعتاد والسخاء الذي جبلت عليه الفطرة الإنسانية بأرض الرسالة المحمدية تجر الخطى بتثاقل شابة لها من العمر أربع بعد العشرين يحيط بها عدد من القلوب النابضة تتشبث بها طلبا للحياة والحب هي كل ما خرجت به من مشوارها القصير المضني بعد تجربة فاشلة وكفاح طويل نالت به حريتها من شاب سقاها العلقم على جرعات مريرة بين ميادين القضاء وساحات المحاكم لم تأخذه بها وبصغارها رأفة أو رحمة بعد أن سكنت السموم جوفه ودمرت فكره وعندما نالت حريتها ونالت الحق بحضانة الأطفال لجأت للضمان الاجتماعي لمنحها نفقة شهرية تسد بها منافذ الحاجة وتغنيها عن ذل السؤال وتكون لها عوناً على نفقة وتربية صغار ينتظرهم مستقبل غامض وطريق متعرج طويل لا غنى لهم به عن كساء وغذاء وعلم واحتياجات تزداد بزيادة أعمارهم ومتطلباتهم فاشترط الضمان الاجتماعي على الشابة ألا تتزوج مقابل النفقة ولو اختارت لنفسها العفاف والزواج لجف نبع العطاء وكأن هذا الرجل جاء ليغدق عليها وعلى صغارها بالمال لا سيما أن هناك رجالا هدفهم من الزواج إشباع رغبة وحياة مؤقتة لا تزيدهم إرهاقا ومسؤوليات على مسؤولياتهم وإلا فما أسرعهم بالهرب لتجد نفسها من جديد طريدة الحاجة ولقمة العيش فماذا ستفعل عندما تجد الدنيا أمامها قد سدت منافذها وأوصدت أبوابها وهي قليلة خبرة ودراية بالحياة لا تملك غير عاطفة أنثى مشبعة بالأمومة عندما يمسهم الخطر تعمى بصيرتها فلا تشعر بنفسها إلا وقد رمى بها طوفان الحياة بالشارع متسولة أمام حشد من السيارات ذات الألوان والأشكال المتباينة وما يسكنها من نظرات متعطشة لهلاكها بقدر تعطشها للقمة تسد بها الرمق تتفحصها أو تزدريها وتصدها غير مايتسلل لسمعها من كلمات بذيئة قد تعتاد على سماعها بعد أن كانت نفسها تنكرها فتسير على غير هدى بطرق ملتوية توردها المهالك وأطفالها اليتم وإن كانت ذات خجل وحياء وتدين فإنها تذوي وتذبل زهرة شبابها بين أركان منزلها المنسي دون أن يطرقه أحد أو تصبح ذليلة كسيرة لمن تقيم معهم مقابل نفقتها ولو كانت ضئيلة.. تلك الزهرة ومثيلاتها كثر افتقدن الأمان والحياة الكريمة مع تعدد حالات الطاق هرباً من جحيم زوج سقط بوحل الإدمان والسموم أو تملكته سطوة القوة والجبروت والتسلط ليشبعها ضرباً وإهانة بسبب وبلا سبب بل ومنهن من تعيش مع الرجل زوجة على الورق دون نفقة لها ولأبنائها تعيش على الكفاف واليسير مما يقدمه لها أهل الخير خوفاً من انتزاع صغارها عند المطالبة بحقها أو جهلاً منها بكيفية المطالبة أو لضعفها تلجم أفواههن المجبولة على الصمت قلة الحيلة والخوف والحياء خلف أسوار بيوتهن الخاوية فلا عمل يغنيهن ولا رب أسرة يعولهن ما أحوجهن لنظرة عطف ثاقبة من المسؤولين لإعادة شريان الحياة المبتور وتلمس الحاجات بتوفير النفقة الكافية لهن ولصغارهن مادمن بحاجة إليها دون تقييدهن بشروط تدفعهن للتنازل عن كرامتهن وحقوقهن المشروعة فيمارسن ذلك بالخفاء أو يدفعن شبابهن ثمنا لنفقة قد لا يوفرها زوج معدم أو انتظارهن لصدقة قد تصلهن أو تنصرف لغيرهن وتوفير فرص العمل المناسبة..
فالمرأة عرضة لطلاق أو ترمل محدودة الخطوة تنصب عليها سهام الانتقادات وتكبلها نظرة المجتمع القاسية بالقيود ويطلب منها بنفس الوقت أن تكون هرما بالتحمل والصبر..تزداد معاناتها مع سوء الأحوال المادية وتجاهل من حولها لقضيتها الخطيرة و تشكل عبئاً يصعب علاجه فيما بعد من تفشي الأمراض النفسية والبدنية والجرائم والتشرد وضياع الأبناء والفساد.