نُشر في بعض الصحف مؤخراً جزء من نتائج دراسة أعدتها وزارة التخطيط عن نسبة حالات الطلاق في المجتمع السعودي. وقد أوضحت الدراسة أن هناك ارتفاعًا في نسبة حالات الطلاق بمقدار 70% عما سبقها من أعوام. حيث صدر مايقارب 13000 صك طلاق. كما أوضحت نتائج الدراسة أن عدد ثلاثة وثلاثين أسرة تنفصل يومياً، ما نتج عنه 17197 حالة طلاق مع نهاية العام المنصرم. منها ثلاثة آلاف حالة في مدينة الرياض فقط مقابل ثمانية آلاف وخمسمائة عقد زواج لنفس العام.
إن هذه النتائج مثال واضح على وجود خلل اجتماعي يمس اللبنة الأساسية لأي مجتمع وهو الأسرة، وذلك يتطلب إلقاء الضوء على هذا الخلل، والعمل على علاجه قبل أن يتفاقم أكثر ويؤثر على المجتمع بشكل عام.
بالتأكيد أن مثل هذه النتائج تثير المتخصصين والمهتمين بالشأن الاجتماعي، ومنهم المسؤولين في وزارة الشؤون الاجتماعية التي تدرس مقترحاً يدعو لحث المقبلين على الزواج على حضور دورات تدريبية للشباب والفتيات لتساعدهم في التعرف على كيفية تكوين الأسرة واستقرارها.
كما يلاحظ قيام عدد من الجمعيات والمؤسسات الخيرية (أو الربحية حتى) بتنفيذ مثل هذه الدورات. وبالرغم من الدور الجيد لمثل هذه الدورات إلا أنها لاتكفي، والبعض منها لايوصل للهدف المنشود لغلبة الطابع النظري فقط، وعدم وجود برامج تطبيقية تساعد في تصحيح المفاهيم الخاطئة وتدرب على مواجهة المواقف والتحديات المختلفة التي قد تواجه أي زوجين.
كما أن الاعتماد على هذه البرامج كعامل وحيد غير كاف. أضف إلى أن هذه البرامج لم تظهر إلا بعد أن قصرت الجهات المسؤولة في أداء دورها في مثل هذه الحالات. فأسرة الشاب أو الفتاة هي المسؤول الأول عن تربية وتعليم وتنشئة الابن أو البنت بشكل سليم وتوضيح كيفية التعامل مع الحياة الزوجية وما يطرأ عليها من أحداث أو مشكلات وكيفية التعامل معها ومواجهتها. كما أن لوسائل الإعلام دور في التوعية والقتقيف بمثل هذه المسائل وعامل مساعد وبشكل كبير في العلاج والوقاية من حالات الطلاق. حيث إن كثيرًا مِمَن يُتابع المسلسلات التلفزيونية يتأثر بها سواءاً سلباً أو إيجاباً. والعامل الآخر المساعد في علاج مثل هذه المسألة هو المسجد. نحن كمجتمع مسلم يتأثر ويعمل على اتباع ما يدعو له ديننا من التكاتف الأسري وكراهية الطلاق. كما أن قيام أصحاب الفضيلة المشائخ والأئمة بالتذكير والنصح بكل ماله علاقة بحياتنا سواء من خلال خطب الجمعة أو المحاضرات التوعوية والتذكير بما كان يفعله ويقوله الرسول عليه الصلاة والسلام وصحبه رضي الله عنهم أجمعين حول الزواج قد يساعد في التقليل من تلك النسبة. والعامل الأخير في اعتقادي هو المدرسة. بحيث يمكن إدراج عدد من الدروس (في المرحلة الثانوية) والتي تتعلق بالزواج والحياة الزوجية وتوضح للطالب والطالبة المعنى الواقعي للزواج وما قد يصاحبه من مشكلات وتحديات. ويمكن أن يستفاد هنا من أساتذة الخدمة الاجتماعية في الجامعات في وضع تلك الدروس. كما يمكن إضافة حالات تدريبية لمشكلات تواجه الزوجين ويطلب من الطلبة العمل على وضع حلول لها وكيفية التعامل معها وكيف يمكن تجاوزها أو حتى الوقاية منها. إن وضع الطلبة في مثل هذه المواقف قد يساعد كثيراً في تصحيح عدد من الأفكار الخاطئة التي يحملها الشاب أو الفتاة عن الزواج، فمثلاً قد يظن البعض أن الزواج سبيل للتحرر من التزامات الأسرة والتبعية للوالدين ولا يخطر ببالهم أن هنالك أدوارًا جديدة تتطلب الالتزام وكثير من الجدية وتحمل المسؤولية بعد الزواج. إن الحل لمشكلة الطلاق لايمكن أن يُرمى حمله على جهة واحدة بعينها، لكن من المهم أن يتكاتف الجميع وتتكامل الجهود للوصول إلى النتائج المرجوة.
- مبتعث لدراسة الدكتوراه في قضايا العنف الأسري مانشستر - بريطانيا
hakami@ksu.edu.sa