طائف في المنام يترد عليّ: قم أقرأ كتاباً، الثقافة جميلة!! لماذا أنت نائم كفى نوماً يا هذا. استيقظت منزعجاً: أين المنادي؟ زوجتي: هوِّن عليك يا عزيزي إنك تتوهم، عد إلى فراشك، الصبح لم ينبلج..
وما هي إلا دقائق فيصدح مؤذن الحي بصوته الجهوري (حي على الصلاة)، توضأت وبادرت إلى المسجد وناجيت ربي بالدعاء والاستغفار، وتلوت شيئاً من القرآن وأديت الصلاة.. ورجعت إلى منزلي لنيل قسطٍ من الراحة، ثم تناولت كوب القهوة من يد زوجتي الحنونة، نظرت إلى عقارب الساعة فإذا هي تشير الثامنة لبست ثوباً أنيقاً تفوح منه رائحة زكية أتفاءل بها وأرتاح إلى رائحتها.. انطلقت على سيارتي أخطو بها في الشوارع والأزقة، وإذا بي أرى لوحة كتب عليها (مكتبة عامة) تنفست الصعداء وتخيلت الزحام حول هذا المبنى البديع، وأنه يغص بالرواد والقراء.. ولكن كل هذا لم يحدث، وقفت وحيداً أمام البوابة وانتابني شعور أنني وصلت في يوم إجازة، لكن التقويم الورقي يشير إلى الأربعاء، انتظرت قليلاً. فتحت المكتبة ودخلت في سراديب تلك الغرف لأقرأ، وقد صدمتني الدهشة؛ فالكتب صامتة لا تتحرك والهدوء سيد الموقف.. عيني تقلب هذا الكتاب وذاك لكني شعرت برهبة المكان والخوف يراودني كأني في غرفة أشباح.. الصمت في كل مكان، وكأنك في عالم الأموات ثقافة حكم عليها بالإعدام مع وقف التنفيذ.. حتى العاملون صامتون وقد تعودوا على الصمت في مكاتبهم، حاولت أن أحاورهم فلم أعرف لغة الكلام.. فكأنهم متوحشون في غابة ثقافية.. ولكن يبدو أن زيارتي كسرت جدار الصمت لديهم.. فسمعتهم يتناجون بصوت خافت من هذا الزائر الغريب.. قضيت ساعات وأنا أشعر بالوحدة الرهيبة والجو القاتل حتى زقزقت العصافير لا تسمع.. واصلت قراءتي الصامتة وكأني في مجتمع أطرش، وإذا بصوت يقطع الصمت هاتفي يكرر الرنين!! من؟ صوت زوجتي يحاكيني (لا تنسى فستاني) ذاك الفستان الذي حيرني كثيراً من صنعه رجل لا نفهم لغته إلا (بالعربية المكسرة) هنا هدأ قلبي وشعرت أنني موجود على الكرة الأرضية. نظرت إلى الساعة فإذا بها تشير إلى الساعة الثانية عشرة، أشرت إلى القوم مودعاً ورجعت أخطو مسرعاً إلى منزلي واستقبلتني زوجتي قائلة: ما بالك؟ ماذا دهاك تبدو قلقاً؟ أين كنت طوال هذا الوقت؟! قلت: في مكتبة الأشباح، قالت: كيف عرفت ذلك؟! قلت إننا أمة لا نقرأ!! فقد كنت وحيداً والرب سبحانه وتعالى يقول: {اقْرَأْ}، وأخذت كتاباً وبدأت تقرأ قلت: مهلاً قالت: لا فلنقرأ جميعاً حتى لا يصبح منزلنا بيتاً للأشباح.
- الرس