يعتبر القضاء أحد المرافق المهمة في حياة الناس فعن طريقه يتم الفصل في الخصومات، والنظر فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، كما يقوم بالنظر في قضايا قتل النفس والغلو والتطرف..
.. وقضايا السرقة والمخدرات والحدود وحوادث السير ونحو ذلك والحكم فيها.
وقد اهتم ديننا الحنيف بهذا المرفق الهام فقد سمى الله سبحانه وتعالى نفسه بالحكم العدل وحث الخلق على الحكم بالعدل، فقد ورد في الآية الثامنة من سورة المائدة {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} المائدة2، كما أمر رسوله- صلى الله عليه وسلم- بذلك في الآية (26) من سورة ص {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}.
كما وردت أهمية القضاء وضرورة الحكم بالحق والعدل في السنة النبوية الشريفة، فقد ورد في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم (إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار) كما ورد عنه- صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف الذي رواه أبو داوود (القضاة ثلاثة قاضٍ في الجنة وقاضيان في النار، قاضٍ علم الحق فحكم به فهو في الجنة، وقاضٍ علم الحق فجار عنه عامداً فذلك في النار، وقاضٍ قضى بغير علم واستحى أن يقول: إنني لا أعلم فهو في النار).
والحكم بالعدل والحق الذي أمر الله عزَّ وجلَّ بهما إنما يكون في نطاق ما ورد في الشريعة الإسلامية فقد ورد بالآيات (44، 45، 46) من سورة المائدة قول المولى جلّت قدرته {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} المائدة 44، وقال تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} المائدة 45، وقال تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} المائدة 47.
ومن معالم اهتمام الإسلام بالقضاء أن استقلالية مرفق القضاء عرف في الإسلام قبل أن يعرف بوقت طويل في الدول المعاصرة، فقد كان القضاء من مهام الخلفاء- رضي الله عنهم- ولكن بعد انتشار الإسلام وتوسع الدولة الإسلامية عهد الخلفاء لغيرهم بتولي القضاء، وفي العهد الأموي كان القضاة مستقلين وكانوا مطلقي التصرف في مجال عملهم، وفي العهد العباسي بلغت استقلالية القضاء ذروته، فقد وجد آنذاك نظام (قاضي القضاة) وكان يقيم في عاصمة الدولة العباسية، وكان من مسؤولياته تعيين القضاة في الأقاليم والولايات الإسلامية.
ومن منطلق مكانة القضاء في الإسلام اهتمت بلادنا بهذا المرفق الحيوي، فقد أخذت المملكة بما يعرف بالقضاء المزدوج فإلى جانب القضاء العام أو القضاء الشرعي الذي يتمثل في المحاكم التي تشرف عليها من الناحية الإدارية وزارة العدل، ومن الناحية الموضوعية المجلس الأعلى للقضاء يوجد قضاء آخر خاص بالقضايا الإدارية الذي يتمثل في المحاكم التي يشرف عليها ديوان المظالم والذي يمثل القضاء الإداري في بلادنا حيث تقوم المحاكم الإدارية بالفصل في الدعاوى المتعلقة بالحقوق المقررة في نظام الخدمة المدنية ونظام التقاعد، والدعاوى المتعلقة بالطعن في القرارات الإدارية والدعاوى المتعلقة بطلبات التعويض، والدعاوى المتعلقة بالعقود مع الجهات الإدارية، والدعاوى التأديبية الخاصة بموظفي الأجهزة الحكومية، والدعاوى المتعلقة بالرشوة والتزوير والقضايا التجارية.
كما أن الاهتمام بمرفق القضاء شمل العاملين فيه من قضاة، وكذلك كتاب العدل والضبط ونحو ذلك والذين يعرفون بأعوان القضاة فبعد أن كان القضاة ونحوهم يعاملون من الناحية الوظيفية كالتعيين والراتب والترقية والمزايا المادية بموجب (نظام الخدمة المدنية) تم إفرادهم منذ سنة (1387هـ) بنظام وسلم رواتب خاصين بهم بما يتمشى مع العمل في مجال القضاء وحيدة القاضي واستقلاليته.
وقد جاء آخر نظام للقضاة في المملكة وهو (نظام القضاء) الذي صدر سنة (1428هـ) بتطوير جديد في مجال العمل بالقضاء، حيث أورد هذا النظام هيكلة جديدة للمحاكم تتمشى مع ما هو معمول به في الدول المعاصرة، فقد تم تأليف المحاكم من محكمة عليا ومحاكم استئناف ومحاكم عامة وجزائية وأحوال شخصية وتجارية وعمالية.
ويعتبر ما حصل منذ مدة من تغير في القيادات القضائية والإدارية في المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل وديوان المظالم وتشكيل المحكمة العامة، والمحكمة الإدارية العامة، ومجلس القضاء الأعلى، ومجلس القضاء الإداري الأعلى نقلة مهمة في مجال العمل القضائي يرجى أن تُلقْي بظلالها الإيجابية على العمل في هذا المرفق الحيوي من حيث سرعة الإنجاز وسرعة الفصل في القضايا وتأمين العدد اللازم للعمل في مجال القضاء ويسرني في هذا المجال طرح الأفكار التالية:
أولاً: العمل على دعم الآراء التي تنادي بتدوين أو توثيق أو ما يعرف بتقنين العقوبات من واقع القواعد المستقرة في الفقه الإسلامي وآراء الفقهاء والمجتهدين من كافة المذاهب الأربعة، ومن الأحكام المدعمة بالمستندات القطعية التي سبق أن صدرت عن القضاء السعودي، وهو الأمر الذي سوف يساعد القاضي على سرعة البت في القضايا، كما أنه سوف يحول دون تعارض صدور الأحكام في القضايا المتشابهة، ولذلك سابقة ثبت نجاحها عندما قامت تركيا في عهد الدولة العثمانية في نهاية القرن (12) الهجري بالعمل في مجال القضاء بما ورد في مجلة الأحكام العدلية التي تضم (1851) مادة مأخوذة من المذهب الحنفي دون التقيد بالرأي الراجح في المذهب.
ثانياً: العمل على توفير العدد اللازم للعمل في مرفق القضاء عن طريق التعاقد مع الموظفين المحالين للتقاعد من ذوي الكفاءة والاستقامة من شاغلي الوظائف التعليمية وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات المتخصصين في تدريس الفقه الإسلامي والشريعة الإسلامية، وشاغلي الوظائف الاستشارية ممن يحملون مؤهلات في مجال الشريعة الإسلامية، ويعملون في مجال الاستشارات النظامية أو التحقيق أو دراسة القضايا.
ثالثاً: تغطية بعض المحاكمات إعلامياً وبالذات المحاكمات ذات الطابع العام التي لها علاقة بالمصلحة العامة والتي قد تؤدي تغطيتها إلى تعزيز عامل الردع والزجر في تلك المحاكمات، كما أن ذلك سيؤدي إلى إبراز دور القضاء السعودي وهو أمر يتفق مع علنية المحاكمات التي أكد عليها نظام القضاء السعودي.
رابعاً: تفعيل نظام المرافعات الذي يحدد إجراءات رفع القضايا سواء من المدعي نفسه أو من محاميه، كما يحدد إجراءات النظر في القضايا والفصل فيها وهو نظام وجد من أجل تنوير المدعي وحث العاملين في مجال القضاء للفصل في القضايا وفق مراحل واضحة وسريعة.
هذا والله ولي التوفيق.
asunaidi@mcs.gov.sa