خلال شهر رمضان المبارك تم عرض أعمال سعودية يُقال إنها تعالج بعض القضايا التنموية والمشاكل الاجتماعية بقالب كوميدي، وكان من أبرزها العمل الشهير (طاش)، الذي يتكرر كل عام حتى وصل إلى النسخة الـ(18)،
دون أية إضافة تُذكر أو فكرة يمكن أن تكون رأياً عاماً أو تثير جدلاً اجتماعياً، ما يدفع إلى إصلاح الخلل، وكذلك العمل الجديد (قوول في الثمانيات)، الذي سبقته هالة إعلامية، وكأنه رهان التلفزيون السعودي بين كل الأعمال المعروضة على الشاشات العربية، رغم أنه لا يعدو أن يكون استنساخاً مشوّهاً لعمل سابق هو (بيني وبينك)، ليس على مستوى الممثلين فحسب، بل حتى الأداء النمطي غلب على كل حلقاته.
العملان عُرضا في فترة الذروة المسائية، الأول على قناة عربية شهيرة، والثاني على القناة السعودية الأولى، وبهذا حصلا على فرصة ذهبية لتسويق فن راق وطرح كوميدي مميز، يثبت أن الفن التمثيلي من الممكن أن يُسهم في علاج مشاكلنا أو على الأقل تشخيص واقعنا الاجتماعي بكل تفاصيله اليومية وهمومه الحياتية، غير أن ذلك لم يحدث، لأن أبطال طاش ونظراءهم في قوول في الثمانيات لم يستوعبوا بعد الفارق الكبير بين الكوميديا و(التهريج)، فالتعليقات مكررة والأفكار شبه مستنسخة، وأسماء الشخصيات هي ذاتها قبل سنين، لدرجة أنك تتوقّع ماذا سيقول وأية حركة سيؤدي، ناهيك عن الصراخ والحركات الطفولية والمبالغات في محاولة إضحاك المشاهدين. فهل سمعتم عن شيخ للسياكل يلبس البشت، ويدور في الحارة لمناقشة هموم اجتماعية كبرى، برأيي أن (قوول في الثمانيات) كان نسخة مطورة من (بيني بينك) ولكن إلى الأسوأ.
أما طاش فمنذ أعوام أعلن إفلاسه الفني، بدلالة أنه لم يقدم هذا العام إلا حلقتين أو ثلاثاً يمكن أن يُقال إنها ناقشت قضايا فعلية نعيشها كحلقة (زيد أخو عبيد)، التي تناقش المصرفية الإسلامية ومسألة ربوية الفلوس النقدية رغم التحفظ على ما ورد فيها من أخطاء، أو حلقة (شيك في شيك)، التي تناقش مشكلة الشيك المصرفي دون رصيد وطريقة معالجة الجهات المعنية به مقارنة مع إمارة دبي. وبالمناسبة أشار الكاتب الاقتصادي فضل البوعينين في زاويته بـ(الجزيرة) إلى خطأ وقع فيه كاتب السيناريو والممثل ناصر القصبي في حلقة (زيد أخو عبيد)، الذي أدى دور أستاذ اقتصاد فلم يفرّق في محاضرته خلال الحلقة بين مفردتي (ربوية) و(ربوبية)، فكان ينطق الثانية على أنها الأولى، بل هناك حلقات في طاش ذات أفكار جيدة تم تناولها بطريقة سطحية ولهدف فكري معيّن، مثل (الابتعاث)، فالمقارنة بين معالجة طاش لهذه القضية ومعالجة (سكتم بكتم) فايز المالكي، نجد أن الأخير استعرض هذه القضية بشكل يحاكي الواقع، محدداً المشاكل الحقيقية التي تواجه المبتعث أو المبتعثة، بينما نجد طاش حصر مشكلة الابتعاث بمسألة (المحرم) فقط، رغم أن هذه المسألة من شروط الوزارة للابتعاث في إطار سياسة الدولة المستمدة من الشريعة الإسلامية. باختصار أعمالنا السعودية لم تتجاوز مرحلة الطفولة المحصورة بالتهريج والتعليقات المكررة.
kanaan999@hotmail.com