أظهرت الأحداث التي شهدتها بعض الدول العربية فيما يطلق عليه (الربيع العربي) النوعية الحقيقية للأنظمة العربية الحاكمة، ففي الوقت الذي استسلمت بعض من هذه الأنظمة للرغبة الشعبية وتركت سدة الحكم، وإن كانت مرغمة، إلا أنها في النهاية غادرت السلطة بأقل الخسائر، فيما لا تزال بعض الأنظمة العربية تكابر وتواجه رغبة شعوبها الرافضة لوجودها على قمة السلطة، مواجهة هذا الرفض بالقوة وبسفك الدماء حتى في هذا الشهر الفضيل، فيما تعاملت أنظمة عربية أخرى مع رغبات شعوبها بالحسنى وحققت المطالب الشعبية حتى دون أن تظهر بوادر احتجاج أو امتعاض، إلا أن الاهتمام والرعاية الرشيدة لقادة تلك الشعوب جنبها الفوضى وسفك الدماء بالاستجابة الحكيمة لحاجة الرعية دون أن تظهر تمرداً.
هذا الفرق بين الحكم الرشيد وبين الحكم المتسلط الذي يجثم على صدور الشعوب دون أن يهتم بمصالحها.
ولذلك نرى أن الشعب يتظاهر ويطالب بتغيير الحكم أو حتى تحقيق مطالب شرعية تتعلق بتحسين أوضاعه الحياتية ومعالجة حالات الفساد ومعاملة المواطنين بالحسنى، والحفاظ على كرامتهم والسماح لهم بما منحهم إياه الخالق الحرية المسؤولة، وبدلا من ذلك نرى أن بعض الأنظمة الظالمة- وللأسف الشديد من الأنظمة العربية الإسلامية- بدلاً من ذلك تواجه أي تطلع أو المطالبة الشعبية بالحصول على حقوقهم الشرعية بالحرية والكرامة والعيش الكريم بالقمع والقتل الذي يصل إلى حد الإبادة، مثلما نراه الآن في أكثر من بلد عربي من فوضى وسفك للدماء وتدمير واستباحة للأعراض.