لا أدري ما سر التشبث عند الكثير بالحديث عن ذكريات الأعياد الماضية وما يصاحبها من ممارسات، أو عادات وتقاليد ليس لها أساس شرعي، أو دور كبير في تقوية آصرة من الأواصر، وحتى الذي لم يبلغ الحلم تجده يتناول ذكريات العيد في الماضي بشيء من الأسى والأسف على ما آل إليه واقع عيده، وكأنه قد أوتي َ عمر (نوحٍ) عليه السلام، إذن ظاهرة الحنين إلى وقائع العيد فيما مضى لا ترتبط في أحاديث كبار السن فحسب، وربما أن هذا الاسترجاع هو الشعور المعتاد عند الإنسان الذي عبّر عنه (أبو الطيب المتنبي) بقوله:
خلقتُ ألوفاً لو رجعتُ إلى الصبا
لفارقتُ شيبي موجع القلب باكيا
لم أجد أحدًا يطرح رؤية اجتماعية جديدة عن (العيد العصري) الذي يتواكب مع ظروف الحياة المستجدة التي نعيشها، بل كل ما يطرح من قبيل التوجع على الماضي، والشوق إلى أيامه ولياليه، وفساد قيم الناس في هذا العصر، وإن كنت أجزم أن تلك الحياة ليست بأحسن من هذه الحياة التي نتقلب في أعطافها.
ربما أن حديث كبار السن هو في حقيقته انتحاب على ما افتقد من جمال حياة الصبا، والشباب، والفتوة، وانتهاب ملذات العصر، وليس كما نعتقد انه حنين إلى صفاء العيش،أو بساطته، أو قوة التلاحم بين فئات المجتمع، بل إنك تقتنص من فلتات بعض كلامهم الدعوة على عدم إعادة تلك الحياة، وما اكتنفها من بؤس وشقاء.
جمال الحياة الذي ينشد في بعض فترات حياته هو ذلك السلوك الذي يمارسه من غير أن يتحمل تبعاته، بل يتحملها غيره، ولذلك فهي جزء من مغامرات عشقها الإنسان في ظل غياب الوعي الكامل.
المستقرئ للحياة الاجتماعية، وبخاصة في مجتمعنا عبر الوثائق، أو رصد مدونات الحياة يجد أن ما كان يكتنف زماننا من إحن، ومصائب، ومشكلات، وعقبات لم يسلم منها أيّ جيل من الأجيال، إن لم تكن أشدّ وأنكى في بعض فترات هذه البلاد.
ما نراه الآن، أو يراه بعضنا بأنه لا طعم، ولا رائحة، ولا لون له من وقائع العيد يراه إنسان آخر بلون مغاير تماماً، إذ ربما عدّها من أزهى الليالي والأيام، الممتلئة بالحب، والوفاء، واللهو، واللعب، ومن المؤكد أن الشعائر الدينية، والصلات الاجتماعية في هذه المواسم لا أحد يختلف على أهمية المحافظ عليها، أما ما عداها فظروف العصر، وليس الإنسان بطبيعته هو الذي غيرها، والانقلاب الذي يستشعره البعض لا يعد مفاجئاً في حياتنا، بل هي تراكمات ثقافية أوجدت نوعاً من التباين، ونحن في هذا السياق لا نرانا إلا نقول مُعاداً.
هناك تجارب محدودة، أو ظروف مختلفة تظل ذكريات العيد فيها محفورة في ذاكرة فرد ما، قليل من يشترك معه أحد فيها، وأعني بها (العيد) في حياة المغتربين، ايّا كان ظروف هذه الغربة، أو من أجبرتهم ظروفهم الصحية على البقاء في المستشفيات، أو في معقل من معاقل الأسر، أو من وافاه (عيده) في بلاد تعج بالفتن والحروب، أو تحت الفاقة والفقر والعوز، هنا التجربة جديرة بالاجترار.
dr_alawees@hotmail.com