|
منذ بضع سنين لا أعادها الله أصبت بمرض التصلب المتعدد - إم إس - لدرجة أنني كنت أصلي وأنا مستلقٍ في سريري في مستشفى قوى الأمن.. وبعد قضائي لصلاة المغرب في أول يوم أدخلت فيه المستشفى.. ويداي مشغولتان بالمغذي وإبر الكورتيزون.. فقد كنت في وضع صحي حرج لا علاج له إلا تلك الإبر الوريدية وعندما فتحت عيناي بعد إحساسي بالحياة تدب في أوصالي.. فإذا (أبو مساعد) يقف بالقرب من سريري ماداً يده اليمنى الكريمة ليصافحني وهو يقول الحمد لله على السلامة.. ألجمتني المفاجأة والفرحة بأن (أبو مساعد) بقامته الشامخة والمهيبة يسأل عني ويزورني في المستشفى.. مع أنني مُقصر في حقه وقليل الزيارة له قبل مرضي.. وتمر السنون والوعكات الصحية تتوالى على أبي مساعد (كنت أزوره أثناءها) إلى أن جاءت الصدمة والحزن (الذي لا يزال) على رحيل أبو مساعد في جامع الملك خالد (أثناء الصلاة عليه) وفي المقبرة أثناء دفنه -رحمه الله- بعد توقف قلبه عن النبض في يوم الثلاثاء 16 رمضان 1432هـ.. نبض كان محبوه ومريدوه يمثل لهم أملاً ويشعرهم - أثناء مرضه - بأن والد الجميع لا يزال بينهم ولو بقلب ينبض فقط. الموت حق على كل ابن أنثى وإن طالت سلامته.. ولكن موت (أبو مساعد) جاء لإنسان طالت أياديه البيضاء وصناعته للمعروف كل من عرف أنه بحاجة لمساعدته بمال أو جاه.. أخذت أبحث عن كلمة تصف وتنصف ذلك الطود الشامخ الذي هوى والفارس المهيب الذي ترجل.. فلم أجد إلا كلمة شهم.. بل الشهم (المعرفة بأل) تنطبق عليه بحق.. فتعامله مع أهله ومعارفه وحتى خصومه صغاراً وكباراً فيه الكثير من الشهامة والرقي في الأخلاق والتعامل.. وعلاقتي بالعم عبد الرحمن بن سعد بن سعيد تمتد لأربعة عقود أو تزيد.. احتواء وتوجيهاً ومساندة منه لي منذ كنت طالباً في ثانوية اليمامة.. وعندما كبرت كان كل من يقابلني (في العمل ونحوه) ويعرف أن اسمي ينتهي بابن سعيد.. لابد أن يسألني عن قرابتي بأبي مساعد، فأقول: إنه ابن عمي في النسب.. ولكنه عم بل أب وأكثر.. لما شملني به من عطف وآراء سديدة أضاءت لي دروب الحياة.. لم تكن له -رحمه الله- خصومة مع أحد.. وكان يترفع عن الصغائر ويدفع كثيراً بالتي هي أحسن..
فجزاه الله خير الجزاء وأحسن عزاء أسرتنا (ابن سعيد) ومحبيه ومريديه.. وهم كثر امتلأت بهم جنبات المسجد والمقبرة ومنزل العزاء طيلة أيام العزاء الثلاثة.. كان القاسم المشترك بين كل من أتوا للمسجد والمقبرة والعزاء المنزلي هو محبة (أبو مساعد) والعرفان لـ(أبو مساعد) وتناول وتذكر سجايا وخصال (أبو مساعد) الحميدة والراقية بعد رحيله.. والتي تجمعها كلمة الشهم.. رحمه الله رحمة واسعة.