صدر للأستاذ الأديب عبدالعزيز بن إبراهيم بن عبدالعزيزالناصر المولود في الزبير عام 1358هـ، مؤلف جديد بعنوان ( الزبير وصفحات مشرقة من تاريخها العلمي والثقافي) في طبعته الأولى1431هـ، تحدث فيه عن مدينة الزبير المولود فيها..
وهجرة كثير من السعوديين النجديين إليها، وهم الذين عاشوا فيها وساهموا في بنائها مع تمسكهم بعاداتهم وتقاليدهم الأصيلة، واستقروا فيها أكثر من ثلاثة قرون، حتى هاجهم الشوق للعودة لوطن آبائهم وأجدادهم) المملكة العربية السعودية (الكتاب الذي بين أيدينا، عدد صفحاته (766) من القطع الكبير، يشتمل على سيرة مختصرة للمؤلف، حظي الكتاب بتقديمين كبيرين من شخصيتين لهما اعتبارهما لدى المؤلف، جاء تقديمهما للكتاب عرفاناً بقيمته الفكرية، وباعتبار مؤلفه، فارساً من فرسان كتابة التاريخ، و القارئ الفاحص لمادة الكتاب يؤيد ما ذهبا إليه. اشتمل الكتاب على مقدمة وتسعة فصول ثرية بالمعلومة الموثقة، وفهرس لصور الشخصيات المهمة في الزبير الموثقة لمادة الكتاب، وخاتمة وفهرس للمصادر والمراجع والموضوعات. سلك المؤلف في كتابه، المنهج الوصفي، باعتباره واحداً من أبناء الزبير سبر أغوراها (بيت بيت، دار دار، زنقة زنقة، حارة حارة، فرد فرد!!) يقول في مقدمته (...أردت كذلك من تأليف كتابي هذا أن يطلع الآخرون من محبي العلم والمعرفة على منجزات بلد صغير كالزبيركان شعلة مضيئة ومناراً يهتدي به أولئك الباحثون عن منهل عذب يطفئ ظمأهم ويروي غليلهم، وهكذا توكلت على الله فباشرت الكتابة عن تاريخ (بلدة الزبير) للتعريف بها ما استطعت إلى ذلك سبيلا، بادئاً بزمن أولئك الرجال الأوائل الذين قدموا إليها من موطن الآباء والأجداد (نجد) الذين أسسوا بلدتهم في المكان الذي اختاروه لها، فاستوطنوها مدة تزيد على ثلاثة قرون...وظلوا فيها يعملون ويتعلمون ويعلمون حتى عادوا إلى موطنهم الأول (نجد) فشدوا الرحال عائدين إلى المملكة العربية السعودية، أعزها الله بالإسلام والإيمان، وذلك في أواخر القرن الرابع عشر الهجري).
الكتاب سفر عظيم ثري بالمعلومة الموثقة، بذل فيه المؤلف جهداً كبيراً لا يضاهى، مكث فيه أكثر من سبع سنوات، وهو الذي عاصر نشأة الزبير، من هنا اكتسب الكتاب أهميته، ومن الصعوبة بمكان ومن خلال هذه الإطلالة السريعة على محتويات الكتاب المتنوعة، بسط القول في كل ما احتوته دفتيه، لكني هنا أردت التركيز على ما شدني فيه. كنا نسمع كثيراً عن الزبير ولكن نجهل ماهيتها، وكان لدينا في الزلفي خراز أحذية اشتهر بصناعة أحذية يطلق عليها ( الزبيرية) جميلة جداً وغالية الثمن، حصرياً هي لمن أراد الزواج، وهذا كان في حقبة مضت، أما الآن فهي متوفرة مع عدم جودتها، ولا أدري حتى هذه اللحظة، هل هذه الأحذية، نسبة للزبير المدينة التي نحن بصددها؟ هذا ما نحتاج معرفته، ما علينا، نريد معرفة سبب تسمية الزبير بهذا الاسم؟ يذهب مؤلفنا الفاضل أنها نسبة للزبير بن العوام رضي الله عنه، لوجود قبره في مربد البصرة القديمة، حتى أطلق على هذا الموقع وما حوله بالزبير ولزمته هذه التسمية، قدر المؤلف عدد سكان الزبير إلى عام2002م إلى ما يقارب مئة وخمسين ألفاً، وأشار إلى تناقص العدد السكاني من أبناء نجد في بلدة الزبير بعد ذلك بفعل الهجرة المعاكسة من بلدته الزبير إلى موطنهم الأصل (المملكة العربية السعودية) وتتابع موجات العودة إلى المملكة بعد صدور قرار مجلس الوزراء رقم1421 في20-11-1393هـ بالموافقة على منح النجديين الزبيريين فرصة العودة إلى جنسية بلادهم الأصلية المملكة العربية السعودية، وقد أشار المؤلف إلى عدد من معالم الزبير، فذكر منها الدريهمية و(أم قصر!) والأخيرة هي التي كانت تتردد على لسان محمد سعيد الصحاف وزير إعلام صدام حسين إبان الغزو الأمريكي للعراق، اهتمت الزبير- كما يقول المؤلف- في حقبة النجديين بالمسرح، كوسيلة مهمة في توجيه المجتمع، تعرض المسرحيات ذات الأهداف السامية،كمسرحية ( شفاعة الإمام أبو حنيفة رحمه الله) على سبيل المثال، وهي تتحدث عن جار للإمام أبو حنيفة وكان هذا الجار يتعاطى شرب الخمر وبعد أن تدير الخمرة رأسه يأخذ بترديد قول الشاعر عبدالله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان المعروف.
أضاعوني وأي فتى أضاعوا
ليوم كريهة وسداد ثغر
وفي أحد الأيام افتقد الإمام أبو حنيفة ذلك الفتى، ولم يسمع صوته، فسأل عنه وعلم أن الوالي قد سجنه لتعاطيه شرب الخمر، فقام الإمام أبو حنيفة بالشفاعة لدى الوالي ليطلق سراحه، فأطلقه إكراماً للإمام، وبعد مغادرته السجن: قال له الإمام أبو حنيفه: هل أضعناك يافتى؟ فاعتذر منه الفتى وأقلع عن شرب الخمر، وأصبح فتى صالحاً، وهكذا كان لهذا الأسلوب الحسن والحكيم من الإمام أبو حنيفة أثره العميق في إصلاح الناس.
المؤلف وشح كتابه بأسماء العلماء والمشايخ المشهورين في الزبير، وذكر مدارس العلماء في المنازل والمساجد والمدارس النظامية فيها، وترجم للشيخ محمد الأمين الشنقيطي ( المعروف) الذي أسس مدرسة النجاة الأهلية الابتدائية للبنين بالزبير، وبين المكتبات العامة والخاصة، وكذلك الشعر والشعراء والدواوين والأمثال الشعبية، والصحافة والصحافيين ودورها جميعاً في الحياة الثقافية بالزبير.
ومن خلال هذه السطور القليلة في حق هذا الكتاب، لا بد من الإشادة بمؤلفه، الذي شرفت بمقابلته بإحدى الديوانيات الثقافية بجدة - والتي يجتمع فيها نخبة من الشخصيات الزبيرية النجدية البارزة - وألفيته، قامة فكرية ثقافية عالية ذو ذاكرة قوية متقدة حيوية ونشاطاً، محل تقدير الخاصة والعامة من أهل المدينة المنورة، حيث يعيش، متعه الله بالصحة والعافية. وبعد هذه قراءة سريعة لهذا السفر الثري بالمعلومة المفيدة عن مدينة الزبير التاريخية، وأعتذر للمؤلف والقارئ، عما عساه تقصيراً في التناول، ولعله يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق!