من الرائع أن تتطور النظم ويستفاد من التقنية في ضبط البيانات والمعلومات لكل مواطن، بحيث يصبح لكل مواطن قاعدة بيانات تسهل له وللجهات الحكومية والتجارية كثير من الإجراءات وتوفر لوقت والجهد وتضبط التوثيق وتحفظه، وقد بدأت بعض الجهات الحكومية تستفيد من
هذه االخدمة المتطورة، ولكن هناك بعض ما يستحق التأمل.
فعلى سبيل المثال أوقف الصندوق العقاري إقراض من ظهر تملكه لسكن من خلال قاعدة المعلومات مع وزارة العدل، مما حدا ببعض المواطنين إلى مراجعة وزارة الإسكان التي وعدت بمراجعة هذا الإجراء، وكذلك الحال مع من تقدموا إلى بنك التسليف لطلب قروض وتم رفض طلبهم بحجة أن عليهم مديونيات لجهات أخرى كالبنوك وشركة الاتصالات ومكاتب التقسيط أو مخالفات للمرور لم تسدد، والحق أن أحدا لا يرفض الضبط والتنظيم طالما انه يخدم في النهاية المصلحة العامة بما في ذلك المتذمرين، ومن وجد نفسه في مأزق أمام قاعدة بيانات رسمية توقف وتحد من سيل التماهي والاستهتار بالحقوق المالية للآخرين أو التلاعب على الأنظمة والضوابط بالحيل والتعهدات الشخصية التي لم يكن بالإمكان سابقا التأكد من صحتها، وكان يكتفى بالتعهد القرطاسي والتأكيد على صحة البيانات دون أن يكون هناك وسيلة لدى هذه الجهة أو تلك لكشف صحة هذه التعهدات من عدمها، أما اليوم فقد أوشك ظهور هذا الربط الالكتروني بين كثير من الجهات الخدمية على أن يفتح لنا تاريخ جديد تنتظم فيه التعاملات، وأعتقد أنها آخذة في التوسع ليصبح رقم السجل المدني بحد ذاته كافيا عن ملفات وقراطيس كانت بمثابة سمة وصبغة لإنهاء المعاملات والإجراءات بين المواطنين والأجهزة الخدمية.
وإذا كان هذا تطورا رائعا وتغيرا مختلفا عن سابقه الذي اعتاده الناس، فلا شك أننا أمام إرهاصات ومعرقلات متوقعة، فقد يصبح كثير من المواطنين خارج الاستفادة تماما من توجيهات خادم الحرمين الشريفين الأخيرة الساعية للحد من توسع الفقر وعجز الإسكان، وربما ندخل في قضية أو قضايا أخر، ذلك أن الانتقال من التسيّب والتراخي إلى صرامة الضبط دون وجود مسافة فاصلة بينهما لتصحيح وتشذيب السابق ليتواءم مع اللاحق سيجعل من هذه المسافة بين الاثنين بمثابة خلخلة وإرباك ستصبح عمّا قريب قضايا اجتماعية تزاحم ما هو قائم اليوم، وربما يضع شريحة ليست قليلة من المواطنين خارج الاستفادة من حقوق وطنية مستحقه، وهذا أمر بالغ الخطورة ولا ينسجم مع حرص حكومة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- في تأمين كل سبل العيش الكريم والأمن للمواطن، ولتوضيح ذلك، فإن من تقدم إلى الصندوق العقاري قبل خمسة عشر عاما واستطاع خلالها من بناء سكن بالقروض والسلف على أمل أن يتم السداد من مستحقاته لدى الصندوق العقاري متى حان تاريخه، فإن منعه من الاستحقاق بحجّة تملكه سكن هو اعتداء على حقه الوطني من جهة، وهو أيضا حفظ وحماية لحقوق المواطنين من جهة أخرى إذا علمنا أن البعض يرغب الاستفادة من هذا الحق كانتهازية وأنانية، لكن بين الأمرين أو الاستحقاقين يبدو أننا بحاجة إلى تسوية تحفظ حق الأول ولا تخل بحقوق الآخرين، وكذلك الحال مع بنك التسليف الذي يرفض إقراض مستحق لوجود مديونية لجهة أخرى، فقد يكون هذا المواطن عاجزا عن الوفاء لضعف ذات اليد فكيف يصح أن نمنعه من حق الاستفادة، وقد يكون هو الأحوج من غيره وربما يدخل في جدوى مساعدته إمكانية رفع قدرته على تسديد ما في ذمته للغير، أي أن الدعم ومنحه حق الاستفادة قد يساعده في تحسين دخله وتنشيط ملاءته المالية ليصبح قادراً على الوفاء بما في ذمته للغير، وإلا فإن البديل هو الوفاء أولا أو السجن، والسجن ليس إلا حبساً للإرادة ونفيا أو إبعادا عن النشاط، كما أن إيقاف أو منع المواطن المدين للمرور بمخالفات مالية عن الاستفادة من سجله المدني وإيقاف كافة تعاملاته هو بحد ذاته خطيئة واعتداء على حقه الوطني، كما أن غض النظر عن ما هو مستحق عليه تجاه المرور أيضا هو ضرر ربما يكون أكبر، وبمعنى أنه بين الحقوق والواجبات هناك ما يجب الوفاء به في كلا الجانبين ليتحقق النجاح الذي يعتمد على توفير حركة الانتقال أو التطور أو التغير بسلاسةوأمن وسلامة دون خلخلة وإرباك قد يحرم كثير من المستحقين حقوقهم.
Has0sanAlyemni@hotmail.com