حلمٌ كان يراود المواطن والسائح، والحاج الوافد إلى المملكة تحقق في مشروع حضاري هو [مشروع قطار المشاعر المقدسة] الذي يربط بين مكة المكرمة والمدينة المنورة عبر جدّه والمدن الأخرى التي يخدمها هذا الطريق الذي أمر بسرعة تنفيذه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز
ضمن المشروعات الضخمة التي انطلقت في هذا العهد الزاهر بالمشروعات التاريخية.
هذا المشروع بالذات يذكرنا بأحد المشروعات التي نسمع بها ولا نرى سوى دلائلها وآثارها الباقية وهي [سكة حديد الحجاز] ذلك الطريق الذي يربط المدينة المنوّرة بالشام ولا زالت محطة القطار في المدينة المنورة وفي دمشق شاهدين على هذا الطريق الاستراتيجي الأثير.
- وفي رواية [الكنز التركي] لسمو الأمير الأديب د. سيف الإسلام بن سعود كان هذا الخط الحديدي أحد أعمدة نسيج الرواية حيث كان تنفيذه حلم السلطان التركي عبد الحميد عام 1900م حيث يقول المهندس [مختار] أحد شخصيات الرواية لزوجته واصفاً البهجة بإنجاز هذا المشروع الحضاري الضخم عام 1908م [خارج أبواب المدينة المنورة، شمال المسجد النبوي الشريف وبجانب أول معاول حفر أساس مسجد الحميدية أنيرت الكهرباء لأول مرة في حاضرة الرسول الأعظم لحظة افتتاح الخط الحجازي، وكأنها تُوثق وتكشف مدى حب أهالي المدينة المنورة لي، لقد حملوني - يا فاطمة - على أكتافهم وأكتاف الزوار والمدعوين من أصقاع العالم الإسلامي.(*)
وقد تذهب هواجس طريق امتداد السكة الحديدية من المنطقة الغربية إلى محطة الرياض إلى الدمام التي افتتحت وشرعت في عملها في عهد الملك المؤسس عبد العزيز - غفر الله له - منذ أكثر من ستين سنة، وبعد هذا العمر المديد لم نشهد تطوّراً وامتداداً يتجاوز [أربعمئة كيلومتر] على الرغم من حاجة مدننا الكبرى ومناطق المملكة المتباعدة إلى هذا الرابط الحضاري الحيويّ بالإضافة إلى ضرورة ربط دول الخليج العربي والدول المجاورة، لكن بريق الكنز الذهبي تأخذ القارئ لرواية [الكنز التركي] إلى آفاق الذاكرة عام 1919م في أثناء مغادرة العصر التركي في الحجاز لرحاب المدينة المنوّرة مما يستقطب توثيق تلك الذكرى بمناسبة احتفال « المدينة المنورة « واحتفائها باختيارها [عاصمة الثقافة الإسلامية عام 1434هـ]. وما تحشدها الذاكرة من استعدادات لهذا المشروع الثقافي/ الفكري/ الحضاري يقتضي استقطاب عناصر شتّى للفعاليات المتعامدة التي لا تستغني عن أي جهد ونشاط يمكن أن ينهمر في جداول العطاء والوفاء لهذه المدينة المتدثّرة بالأمن والطمأنينة والتاريخ والآثار والذكرى، الساكنة في ذاكرة كل مسلم ووجدانه، وقد وثّقت رواية [الكنز التركي] أمشاجاً مما شهدته « المدينة المنورة « من أحداث أيام الحكم العثماني، وكان من أهمّها: إنشاء سكة الحديد التي تربط المدينة المنوّرة بالشام الذي انطلق في البداية منبثقاً من فكرة تخدم المنطقة جغرافيّاً وأمنياً واقتصاديّاً، وتُسهم في خدمة النقل والبريد، وخدمة المجتمع مما يحرّض على التساؤل عن هذه الخدمة التي توقفت بسبب الحروب في أوائل القرن العشرين، ولا زالت متوقفة، وما مدى إمكانية تحديثها، أو إعادتها إلى وضع أفضل مع توفّر الإمكانات والمبررات المقنعة لعودتها بإذن الله بعد توفّر الدراسات العلمية والواقعية عن جدواها ولابدّ حينئذ من اتخاذ قرار سياسي يهدف إلى المصلحة المترتبة على وجود هذه الخدمة الحيوية الاجتماعية، التي كنت بمثابة الحلم، ولا زال شريان [الخطوط الحديدية] حلماً يراود المواطن في المملكة ودول الخليج العربي الذي بإمكانه أن يوثق عرى الترابط والتراحم، وييسّر وشيجة الصلة الاجتماعية بين شعوبها عبر هذه الوسيلة الآمنة التي نشهدها وقد فتحت آفاق السياحة في أوربّا ودول الشرق الأوسط والدول المتقدمة، وأسهمت مع وسائل النقل الأخرى في تقريب المسافات، واختصار تكاليف النقل للناس والبضائع والأدوات، والمركبات مما انعكعلى التنمية، والاقتصاد، والثقافة السياحية والاستثمارية والآثاريّة.
- ولعلّ في تحقق حلم [قطار الحرمين والمشاعر] في المنطقة الغربية وانطلاق [قطار مدينة الخير] التي أطلقه عليها خادم الحرمين الشريفين بدلاً من [رأس الزور] ومشروع [قطار الجلاميد] في الشمال ما يحرّض على المطالبة بسرعة إنجاز قطار المنطقة الوسطى وربطها بالمناطق الأخرى للتيسير على المواطنين والتخفيف من حوادث السير التي ازدحمت بها الطرق والمستشفيات والمراكز الصحية في كل منطقة ومدينة وقرية وهجرة تئن كلّ يوم من هذه المعاناة الصّاخبة، ويا ليت من تسببوا في وضع المعوّقات في سبيل توفير هذه الخدمة أن يشعروا بحجم المعاناة ليبادروا إلى تذليل العقبات، وفك الاختناق بالتنازل عن تشبثّهم بالطمع للحصول على تعويض عن مساحة مسار طريق القطار الذي يخدمهم أولاً ويخدم مدناً ومواطنين واقتصاداً يهم جميع شرائح المجتمع وأطيافه.
- إن تدفّق التنمية والبناء في مناطق شتى من المملكة ومدنها وقراها وازدهارها يسهم في خدمة الإسكان والعمران، وتطوّر النشاط السياحي والاستثماري التي تعدُّ مبررات مقنعة لضرورة وجود خدمة النقل عبر وسائل آمنة مريحة في [القطار الحديث] يربط المدن والمناطق، ويربط المملكة بدول الخليج مما يقتضي أهمية المبادرة إلى توفيره، والله الموفق.
http://www.alhumied.com