أسبانيا بلد أوروبي عريق، وله تاريخ حافل وتمدن راسخ، ويعد أحد أهم الأقطاب الأوروبية الحديثة. وهو بلد سياحي بامتياز، مع أجواء خلابة، وبنية سياحية متينة. ولقد سعدت للغاية بزيارة المدن الأندلسية جنوب أسبانيا، ومنها الجزيرة الخضراء ومالقة وغرناطة وإشبيلية.....
.....وقرطبة وطليطلة ومجريط كما كان يسميها الأندلسيون وهي العاصمة مدريد، تلك الحواضر التي أنجبت العلماء والعباقرة كابن فرناس المتوفى سنة 274هـ (888م)، وابن زيدون 394هـ (1003م)، ومسلمة المجريطي 398هـ (1008م)، وأبي القاسم الزهراوي 403هـ (1013م)، وابن حزم 456هـ (1064م)، وابن زهر 464هـ (1071م)، وابن الزرقالي 493هـ (1099م)، والشريف الإدريسي 560هـ (1160م)، وابن رشد 520هـ (1198م)، وابن البيطار 646هـ (1248م)، وغيرهم كثير كثير، كما شهدت توسعاً معرفياً هائلاً، وفتوحات علمية، واختراعات ومبتكرات متنوعة.
وقد راقنا كثيراً عبقرية التحضر في تلك المدن العريقة، وطالعنا مظاهر عديدة تؤكد على حقيقة وجود التسامح والشراكة الحضارية التي سادت لفترات طويلة بين العرب والسكان المحليين لعدة قرون، مع ما صاحب تلك المرحلة بالتأكيد من شقاق وتناحر واقتتال وكراهية بين عدة أطراف لأسباب متنوعة في بعض المراحل الحرجة، ومؤكد أنها حقبة تاريخية ملهمة للحضارة الحديثة في كثير من مساراتها وفنونها وعلومها.
وقد كان من أجمل اللحظات في رحلتي لأسبانيا زيارة قصر الحمراء في غرناطة... وكم هو عظيم ذلك البناء الشامخ، وكم هو ذكي في هندسته، ومداخله، ومخارجه، وأبراجه، وشلالاته، وحدائقه، وغرفه، وردهاته، وكم هو مدهش جداً في هندسة المياه، فيأخذك العجب وتلفك الدهشة حين تفكر في كيفية جلب الماء إلى كل مكان في القصر، بغض النظر عن مستوى الارتفاع والانخفاض... مبهر حقاً ذلك اللون من الهندسة.
ومن أهم ما يمكنني تسجيله في تلك الرحلة، وهو ما دفعني للاستغراب فعلاً هو عدم تواجد اللغة العربية في مثل تلك المعالم السياحية، فمثلاً لم نجد خدمات التعريف السياحي باللغة العربية في قصر الحمراء، الأمر الذي اضطرنا إلى اللجوء إلى اللغة الإنجليزية، التي تعجز عن نقل «سخونة» الحدث والمنجز الحضاري بأبعاده وزواياه الذكية، لنا على الأقل كعرب. والشيء نفسه وجدناه في بقية المعالم التي زرناها، ومنها الجولة السياحية عبر الباص في العاصمة الجميلة مدريد، فقد وجدنا تسجيلاً في الباص المكشوف بعدة لغات عالمية؛ كتعريف بالأجزاء التاريخية والمعالم الحديثة في مدريد، ولم تكن اللغة العربية للأسف الشديد من بين تلك اللغات، مع أنه مجرد تسجيل يتم وضعه في الجهاز، ولا يتطلب جهداً كبيراً.
كما أنه من الملاحظ أن التعريف السياحي في عدد من المعالم السياحية الأندلسية ومنها قصر الحمراء تتخلله بعض الأخطاء المعلوماتية التاريخية، مما يستدعي إعادة النظر في الجانب المعلوماتي، كي نكون أمناء بدرجة كافية في عرض تلك الحقبة الحضارية، بأحداثها المفصلية ورموزها ومنجزاتها المتنوعة. كما لفت نظرنا أن كلمة (الحمراء) قد أضيف لها حرف «الباء» في الكلمة الأسبانية المقابلة، إذ هي Alhambra، وقيل لنا إن ذلك لسبب لغوي بحت، ُيلزم بإدخال الباء بين حرفي الميم والراء، ولست أدري عن مدى دقة هذا التفسير.
ما سبق يؤكد على الأصدقاء الأسبان أن يدرجوا اللغة العربية ضمن اللغات التي يتم استخدامها في المشهد السياحي في الأندلس على وجه التحديد، وبشكل صريح أقول إن هذا استحقاق حضاري قبل أن يكون وفاء بخدمات لفئات سياحية تتواجد بأعداد ُيرى بأنها كافية أو مقنعة. وأحسب أن الأصدقاء الأسبان المتحضرين يقدرون مثل هذا الطرح، مع ضرورة مراجعة المعلومات التي يتم تقديمها ضمن الجولات والخدمات التعريفية السياحية، انحيازاً للحقيقة، بكل تجلياتها وأبعادها؛ في قالب يؤكد على التسامح والشراكة الحضارية في وقتنا الحاضر. وقطعاً سيكون لذلك العمل دلالات حضارية جميلة، كما أنه سيشجع الكثير من العرب لزيارة أسبانيا وخصوصاً منطقة الأندلس.
فهل نرى اللغة العربية في قصر الحمراء وأخواته. وحتماً أننا سنقول آنذاك:
شكراً بالعربية، و Gracias بالأسبانية.
beraidi2@yahoo.com