كل المجتمعات المتطورة لم تلجأ إلى العمالة المنزلية إلا في حالة الثراء المادي الذي يسمح بذلك وهو في الغالب شرط غير متوفر لكل الأسر. وفي الغالب تستخدم عمالة محلية في علاقة تكاملية يستفيد منها المجتمع الواحد حيث «زيت المجتمع في طحينة».. والخبز للجميع. أما نحن فقد تركنا هذا الخيار «الاستقدامي» يصبح جزءا من معتادات المجتمع بكل طبقاته، الكل لا يستغني عن العمالة المنزلية في صورة سائق وخادمة بأقل تقدير.
وحين يأتي هذان المستقدمان ويجدان أنهما لسوء حظيهما انتهيا في منزل لا يتمتع أصحابه بالثراء أو بالغباء أو الحنان، ولا يجدان أحلامهما تتحقق بالسرعة أو الكيفية التي تخيلاها قبل القدوم, تبدأ المشكلة وتطفو الأمراض النفسية إلى السطح، ويظهر الاستعداد للانتحار, أو الانتقام من «الكفيل» أو التعاون مع عصابات المتربصين بالعمالة «المتضايقة من كفلائها وأوضاعها».
ومنذ الثمانينيات تفاقمت المسألة وتعالت أصوات المتضررين من الجانبين.
أعود إلى أسئلة العمالة:
السؤال يعود ليتركز في: هل نظل رهينة هذا الاعتياد ؟
ماذا لو توقفت كل الدول عن السماح لمواطنيها بالعمل عندنا؟ هل ستنطبق السماء على الأرض؟ طبعا لا.. وليس الحل في مصادرجديدة للعمالة المستقدمة نستبدل بها المصادر التي ارتبكت علاقاتنا بها، فنفس النتائج السلبية ستتكرر بلا شك.
ما نحتاجه هو حلول مستدامة ومضمونة.
نحتاج تغييرا في النظرة إلى علاقتنا بمنازلنا وتنظيم إبقائها نظيفة ومرتبة عبرتصرفاتنا الشخصية اليومية بصورة مسؤولة، وربما في أوضاع اليوم يشمل تغيير النظرة تعاون الجنسين في المسؤولية عن إبقاء حياتنا المنزلية منظمة وبيوتنا نظيفة ومرتبة.
ونحتاج تغييرا في نظرتنا إلى علاقتنا بتنشئة أطفالنا فهي لا تقتصر على إطعامهم وتنظيفهم وإبقائهم بعيدين عن إزعاجنا؛ بل يجب ألا ننسى أن من يطعمهم ويهدهدهم أو يعذبهم يغرس كل قيم معتقداتهم حول العلاقات الإنسانية أيضا.
في نقاش للمشكلة ضمن مجموعة من المتضررين كان أحد الزملاء ضمن القلة الأبعد نظرا وأكثر تفهما للمشكلة حين استطرد: «لماذا أغلب المبتعثين للخارج ليس لديهم خدم رغم أن نسبة كبيرة منهم لديهم زوجات وأطفال، ولماذا عندما يعودون إلى ديارهم يستقدمون خادمات وسائقين ؟ أعتقد أن المشكلة تدخل فيها عدة أمور: أوّلا وجود الخدم أصبح جزءا من البرستيج الاجتماعي والتباهي والتنافس بين الأسر. ثانيا الكسل والاتكالية التي يعيشها أغلب أفراد الأسرة والاعتماد على شخص آخر للقيام بأمور يفترض أن يقوموا بها بأنفسهم كالحفاظ على المكان الذين يجلسون فيه أو ينامون فيه نظيفا ومرتبا. ثالثا أصبح القيام بمهام داخل البيت عيبا وعارا.. والأمر هذا ليس مقتصرا على الرجل، كما يعتقد دائما بل هنالك الكثير من النساء أصبحت ترى القيام بعمل البيت عيبا ويقلل من قدرها ويفشلها أمام صديقاتها وأقاربها !!.
«ولكن الأهم من كل ما سبق: هو استطراده»، رابعا: هنالك غياب لشركات خدمة تنظيف وترتيب المنازل وتأجير العمالة المنزلية بالساعة وإن وجدت فأسعارها باهظة جدا يستحيل معها الاستعانة بهم بشكل أسبوعي أو شبه يومي.. خامسا: أيضا هنالك غياب للحضانات فكثير من الأسر تستقدم الخادمات لمتابعة أطفالهم الصغار !!
علينا أن نفكر في حلول أفضل من الاستقدام ومساوئه ومشاكله، حلول محلية مستدامة. وفي انتظار اقتراحاتكم تذكروا أن أفضل الحلول ما يرضي احتياجات المستقبل.. وليس تفضيلات آنية فردية.