الذين يسعون أن تكون الدنيا، بخلاف ما خلق الله واهمون، والذين يريدونها واحة مثالية لا فساد فيها ولا مراء ولا صراع ولا اقتتال ولا فسق ولا فجور واهمون أيضاً، الدنيا جاءت وفق سنَّة كونية لا تتغيّر، فكل المشكلات الحالية، هي ذاتها في السنين التي خلت، ومن يقرأ أسفار الحقب السابقة سيجد التاريخ يعيد نفسه باستمرار.
والإنسان يعيد نفسه هو الآخر، لأنه مخلوق من طينة واحدة، نحن نظن أن ثمة فرقاً بين إنسان الماضي وإنسان الحاضر والحقيقة أن الفرق فقط في الوسائل والأدوات وليس في الإنسان، الإنسان هو ذاته (نفس النفسية)، (نفس السلوك)، (نفس التفكير)، ولو تتبعت كثيراً من الأخطاء التي يرتكبها نجدها وراءها (أمراض نفسية) أو (سمات سلوكية) هي ذاتها الأمراض السابقة.
المرأة التي تبالغ في الزينة وتصل حد التبرج، ربما وراء ذلك حالة نفسية (هوس)، هي تتصرف وفق (حديث نفس داخلي) يريها أن ما تتصرف به يحقق ذاتها، فهي لا ترى تحقيق الذات إلا في لباس (أوووفر) زائد عن الحد، فالهوس بوصفه مرضاً نفسياً هو ذاته المرض الذي مرَّ على ملايين البشر عبر التاريخ وهو ذات الأعراض والسلوك، وقس على ذلك جميع السلوك البشري.
كل ما كان أفق الإنسان ضيقاً، كان أكثر هيجاناً وجهلاً وحمقاً واقتتالاً، وهي صفة تكثر في المجتمعات غير المتعلّمة، الأمر الذي يجعلنا أمام كارثة (تعليمية - تربوية) عندما لا تحسن المدارس توسيع مدارك الطلاب.
لتفرح مدارسنا أنها تعيش في زمن منفتح يسهم في توسيع مدارك الطلاب، ولو كان الأمر غير ذلك، لما وجدناها تضيف سوى معلومات لا يمكث منها إلا القليل في ذاكرة الأجيال، وتوسيع الإدراك يعني: قراءة التاريخ والناس والثقافات والأديان والأزمنة شرقاً وغرباً جنوباً وشمالاً ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.
قراءة الذات والانكفاء عليها، يُرِي مريدها الدنيا من زاوية واحدة، ويتوقّعون أنها كذلك، وينشأ سلوكهم ورؤاهم وتفكيرهم وفق مجموعة كتب، وبضعة متحدثين، وبعض المبادئ، ما يجعلهم يرون الدنيا على خلاف ما خلقها الله، ولا يقبلون في ذلك حجة ولا مناقشة ولا جدلا.
الدنيا أكبر وأضخم وأوسع وأشمل وأعم، مما انبطع في أذهاننا عنها.
nlp1975@gmail.com