في هذه الأيام المفترجة المباركة.. انتقل في خيرة الشهور وأكرمها.. شيخ الرياضة السعودية وزعيمها.. الشيخ الفاضل عبدالرحمن بن سعيد رحمه الله رحمة واسعة.. وأدخله فسيح جنانه.. وجعل الفردوس الأعلى مثواه.. نعم انتقل إلى رحمة الله أحد أكثر الشخصيات تأثيرا في الحركة الرياضية في تاريخ المملكة.. كيف لا.. وهو من أسس شيخ الأندية ثم أعقبه بزعيم الأندية.. وترأس سفير الوطن.. فمثله ليس فقيد أسرة أو مدينة أو منطقة.. بل هو فقيد وطن بأكمله.. فمسيرة سيرته.. ستروي للأجيال نقاء الرجال في أجمل صورة يمكن للبشر الارتقاء إليها.. وهذا ما لا يتأتى.. ولا يصبح جلياً إلا في سيرة عطرة لرجل استثنائي بعطاء شيخ الرياضيين عبدالرحمن بن سعيد - رحمه الله وغفر له -..
كانت آخر مكالمة لي مع هذه الشخصية النبيلة الآسرة قبل دخوله الأخير للمستشفى.. وتطرقت حول عدم متابعته لبعض الصحف و البرامج لأنها أصبحت تسبب له حموضة بالمعدة.. وهو ما جعل الأطباء ينصحونه بعدم المتابعة لتلك البرامج وتلك الصحف التي لا ترتاح نفسه لها.. فوافقته وقلت: والله يا شيخ أني أفعل مثلك.. بل لم تعد الرياضة وكرة القدم والأندية تحظى ب 30 في المائة من اهتمامي ووقتي.. وكأني به قد ارتاح للفكرة.
أما ما يحز في نفسي كثيرا جدا.. هو تأكيده علي في كل مكالمة و إلحاحه علي أن أزوره في الرياض.. حتى أنه أحرجني يوما حيث قال : لو كانت صحتي تساعدني لزرتك في جدة !.. هذا الموقف لن أنساه ولن أسامح نفسي عليه.. نعم لن أغفر لنفسي عدم قدومي للرياض والسلام عليه.. علما أن السبب الحقيقي - ويشهد الله - هو عدم التكليف على الرجل.. إنما أسأل الله بكل اسم هو له أن يكون لقاؤنا في جنة خلد عند ارحم الراحمين.
هذا وقد لاحظت أن من معالم تواضعه.. يشعرك وكأنك صديقه الأوحد.. وهذه لعمري لا توجد إلا لدى كبار الكبار.. ممن منّ الله عليهم بنعمة التواضع والبساطة.
إن من الإنصاف أن نترحم على سيرة رجل عظيم.. فحياة العظماء تقاس بما قدموه لأوطانهم.. وليس بما أخذوه من أوطانهم.. كلمة حق.. أقولها في الشيخ الراحل.. فمن رحيق عطائه استمدت الرياضة الحياة.. وملايين السعوديين تشهد.. أن الأوطان العظيمة هي من تلد من أبنائها رجالاً عظماء.. و الراحل الكبير أسس أكبر ناديين في العاصمة.. وثبّت جذور ثالث راق.. وأهداهم للمليك وللوطن.. وللرياضة في آسيا بل في العالم بأسره.. فقد غرس زرعاً.. جذوره ضاربة أطنابها في أعماق الأرض.. وأغصانه تعانق السماء.. فكم نحن مجحفين في حقه.. بل مقصرين في تكريمه.. كما ينبغي لنابغة قدم أجمل وأغلى درر البحور لمليكه ووطنه وللرياضة على المستوى القاري.
القلب يحمل الكثير والكثير من الإجلال والتبجيل للراحل الكبير رحمه الله وغفر له.. والقلم ما زال غزيراً مداده.. لإنصاف الرجل الأكثر تأثيراً في الرياضة السعودية قاطبة.. فيكفي الزعيم.. درة تتلألأ.. في كل سماء.. يرعاها رجال ميامين.. وأي رجال.. لله درهم من رجال في الاستقامة والطيبة وسلامة الطوية وحسن النوايا.. وصنوه نادي الشباب يرعاه قامة شامخة تذود عن حياض الوطن وحدوده ومكتسباته.. وأيضاً من أسهم في ترسية جذوره.. القلعة الشامخة.. برجالها الذين أسسوا رياضة وطن.. وحضارة خضراء.. لا تزال تؤتي أكلها.
كفى الشيخ الجليل رحمه الله أنه ساهم في بناء الأندية الأرقى و الأنظف تعاملاً ورقياً حقيقياً.. وكأنه وهبها من روحه السمحة.. من قلبه الأبيض.. من نور ٍ رزقه الله تعالى به وأكرمه ليمشي به بين الناس.. زمناً وأزمانا.
لقد كان مرشد الشيخ عبدالرحمن بن سعيد - رحمه الله - ذلك الإنسان النقي الزاهد والعفيف الذي شيدت يمينه وبنت وأنجزت كان هو ضميره الورع.. ودرع ذاكرته هي استقامة أعماله.. وهذا ما لا يتأتى.. ولا يصبح جلياً إلا في سيرة عطرة لرجل في قامة أبي مساعد رحمه الله.. فيفوح شذاها عطراً وفخراً وشموخاً وتواضعاً ونبلاً وشذى عبقاً.. وهذا نهج الرجال ومنهجهم وديدنهم وقيمتهم وشيمتهم.. فمسيرة سيرته رحمه الله ستروي للأجيال قصة رجل البناء والتأسيس.
ولا يسعنا هنا غير الدعاء له.. فاللهم اغفر له وارحمه.. وعافه واعف عنه.. وأكرم نزله و وسّع مدخله.. اللهم أبدله داراً خيراً من داره.. وجواراً خيراً من جواره.. وأهلاً خيراً من أهله.. وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار.. اللهم آنسه في وحدته وآنسه في وحشته وآنسه في غربته.. اللهم اجعل له من فضلك ورحمتك وجنتك حظاً وافرا ونصيباً كبيرا.. اللهم أسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.. وألهم ذويه ومحبيه الصبر و الاحتساب والسلوان.. وأحسن عزاءهم. . اللهم آمين..
إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ .
نبضة:
قال تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي .