النمو الكاذب هو ذلك النوع من التنمية الذي يمس الشكل دون الجوهر، ويظهر في التجهيزات المادية كالمباني دون التغلغل في طبيعة الإنسان بمكوناته النفسية والاجتماعية وطريقة تفكيره. ومصدر النمو الكاذب يكون دائماً عنصر خارجي، فإذا جف هذا المصدر انحسرت التنمية وتوقفت آلتها وعاد البلد إلى سابق عهده. ولما كانت اللغة هي القناة الذي يتواصل الإنسان عن طريقها مع محيطه وبيئته، فإنه سيعجز عن استيعاب التنمية وهضمها إذا كان لغته تختلف عن اللغة التي تسود في قطاعات التنمية بصفة عامة، والتنمية الاقتصادية على وجه الخصوص، وبالتالي سيعجز عن التحول إلى إنسان فاعل مؤثر وستتوقف آلة التنمية فور زوال العنصر الخارجي. لنأخذ مثالاً واحداً من مُحيطنا لإثبات هذه الحقيقة. يبلغ عمر شركة أرامكو أربعة أجيال منذ بدأت عملها في إنتاج الزيت بالمملكة، (منها حوالي خمسة وعشرين سنة منذ تحولها إلى شركة سعودية)، وطيلة هذه المدة وهي تُعمل آلاتها وتجهيزاتها وكافة عناصرها المادية والمعنوية في المنطقة الشرقية من المملكة. ورغم أنها رسمت آثاراً مادية هائلة على الطبيعة بما في ذلك بناء مدن كاملة من لا شيء، إلا أن أثرها التنموي في طبيعة الإنسان السعودي يُعد محدود جداً، لا يتجاوز عبارات الإعجاب والانبهار التي يُتمتم بها رجل في وسط إفريقيا عند مرور قافلة سيارات السفاري أمام كوخه المتواضع. ولو أن أرامكو توقفت عن العمل وأغلقت أبوابها ورحلت لما بقي منها في البيئة التنموية الحقيقية للمنطقة أثرا يُذكر. والسبب الوحيد في رأيي هو أن اعتماد أرامكو الكامل على اللغة الإنجليزية صنع سوراً حديدياً حال دون انسياب ثقافتها في ثنايا الوطن، ولذا لم ينجح مئات الآلاف وربما الملايين من السعوديين الذين استخدمتهم الشركة طيلة تاريخها في زراعة تقنية النفط والغاز والتقنيات المرتبطة بها في البيئة التعليمية والعملية السعودية، ولم نسمع عن تحقيق أي منهم اختراقات تقنية تتناسب مع تاريخ الشركة. وينطبق ذلك أيضاً على كل القطاعات التي تعتمد الإنجليزية في التعامل مثل البتروكيماويات والهندسة والطب والبنوك والتمويل وغيرها. هذا الخطأ الإستراتيجي في اعتماد لُغة أُخرى في مجال الأعمال وللتعليم العالي سيحرم الوطن من مُقومات التنمية الحقيقية القابلة للبقاء والتطور الذاتي، وسيُبقي فقط على تنمية سطحية شكلية عمادها الإنجليزية وعمودها الفقري العنصر الأجنبي. ولن يُسعف تدريس ماة اللغة الإنجليزية في الصفوف الأولى في ردم الفجوة اللغوية بين التنمية والمواطن طالما استمرت الازدواجية اللغوية قائمة.
ibrahim@alnaseri.com