لا أعتقد أن نظاماً فرض الانضباط في مجتمعنا مثل نظام ساهر. الفوضويون فقط هم من وقفوا ضده، ونددوا به، وشنوا عليه الحملات، وقالوا فيه ما لم يقله الإمام مالك - رحمه الله - في الخمر. السبب كما يزعمون أن غراماته المالية مرتفعة، وهذا النقد لا يمكن قبوله على إطلاقه؛ فالذي لا يُخطئ، ولا يكسر الأنظمة وقوانين المرور لا يُغرم لا كثيرا ولا قليلا. التزم بالأنظمة، وكن حذراً، وستجد نفسك في منأى عن الغرامة، أما إذا كنت إنساناً لا يهمك النظام، و مستهتراً، فإن الغرامة هي إحدى الطرق لإلزامك بالطريق المستقيم، وكبح جماح استهتارك. وبودي لو أن المخالف الذي لا يعبأ بدفع المال، وتتكرر منه المخالفات، تقوم السلطات بعقابه عقاباً (رادعاً) إضافياً؛ كما هو العمل في دول العالم المتقدمة؛ فمن يُهدد باستهتاره حياة البشر يجب أن يُردع في كل الشرائع، فضلاً عن الشريعة الإسلامية الغراء؛ والذي لم يردعه تغريمه مالياً، لا بد من إرغامه بطريقة أخرى على احترام النظام؛ فهو بمثابة الإنسان (الصائل) عند الفقهاء، أو بلغة أدق: (الثور الهائج)، الذي يجب دفعه بكل الوسائل؛ فحياة الناس يجب أن تكون لها الأولوية المطلقة.
ثم إن الأرقام لا تكذب؛ والأرقام الإحصائية تقول: إن أهم نتائج نظام ساهر الملموسة أن الإصابات والحوادث المرورية انخفضت بعد تطبيقه انخفاضاً ملحوظاً؛ وهذا في رأيي إنجاز لا يُضاهيه أي إنجاز؛ فحياة الإنسان أهم من المال، وطالما أنه أنقذ إنساناً من الموت، أو الإصابة، فيجب الإصرار عليه وعلى ما تم إنجازه وليس العكس كما يطالب الفوضويون.
ولعل أهم إيجابيات ساهر أنه عَلّمَ المواطن الانضباط واحترام الأنظمة والقوانين. و الفوضوية وعدم احترام الأنظمة، والتقيد بها، هي من أهم الظواهر السلبية التي يعاني منها مجتمعنا، ويلحظها - بالمناسبة - الأجانب عندما يأتون إلى المملكة؛ يجدون شوارع فسيحة وجسورا عملاقة، وبُنية تحتية متقدمة، وخدمات لا يُضاهيها خدمات إلا في الدول المتقدمة؛ وعندما يلتفت إلى (الإنسان) الذي يتعامل مع هذه البيئة الخدمية المتقدمة يجده في الغالب فوضوياً، مُتخلفاً، يتلمس الطرق والأساليب للإفلات من الأنظمة والقوانين والتحايل عليها، وكأنه يريد أن يتحرر من أي نظام؛ والشواهد على ذلك - للأسف - كثيرة، غير أن الفوضى المرورية، وعدم الالتزام بأنظمة المرور وإرشاداته، أحد أوضح الشواهد على هذه الفوضوية المخجلة. وفي تقديري أن نظام ساهر سيُعوِّد الإنسان السعودي، حديث العهد بالحياة المدنية المتطورة والمنظمة لأن يكون إنساناً متحضراً منضبطاً يحترم الأنظمة، ولا يتمرّد عليها. ومن الطبيعي أن يجد نظام ساهر هذا الرفض من البعض في البداية؛ فالمجتمع الذي لم يتعود على الانضباط سيرفض ويقاوم أي قانون يحد من حريته، أو قل: فوضويته؛ غير أنه مع الزمن والإصرار وعدم الالتفات للمانعات غير المسؤولة، وفرض الأمر الواقع، سيتعايش مع هذه الأنظمة، وسوف يضطر في النهاية إلى احترامها والتعايش معها مُرغماً؛ والنتيجة أنه سيكون أقرب إلى الإنسان (المتحضر) منه إلى الإنسان المنفلت، أو (البدائي) الذي يرفض أي قانون يحد من حريته حتى وإن كانت حريته غير المنضبطة تُؤذي الآخرين.
إن أفضل رد منطقي وبسيط يُقال لكل من اعترض أو تذمر على نظام ساهر وغراماته: التزم بالأنظمة والقوانين وإرشادات المرور وستنأى بنفسك عن العقاب والغرامات، أما إذا لم تلتزم، وتصر على الفوضوية، وكسر الأنظمة، فلا تلومنَّ إلا نفسك.
إلى اللقاء