القراءة متعة وفائدة وتسلية وإضافة ثقافة جديدة إلى فكر الفرد واكتشاف لعالم مجهول من المعلومات الأولية والأساسية وهي سلوك حسن وعادة حميدة، ولكنها تحتاج إلى عنصر الهدوء والسكينة بعيداً عن الضجيج، إلى جانب اختيار الوقت الملائم والكتاب المناسب وكثيراً ما يطرح أسئلة عابرة على الضيوف في المقابلات الاجتماعية ما هو آخر كتاب رأته؟!.. فالبعض قد يجيب القرآن الكريم ولا سيما
خلال شهر رمضان المبارك.. وقد يكون السؤال وقع على الضيف وهو لا يملك إجابة فيشير إلى القرآن -أعاننا الله على تلاوته آناء الليل وأطراف النهار-.. لكن إذا استثنينا قراءة هذا الكتاب العظيم هل نحن فعلاً أمة تقرأ؟ وهل تم هجر الكتاب؟.. أم أن الكتب أصبحت على الأرفف أشبه بالتحف!! فهي للجمال والزينة! والكمال.. فكم كتاباً تم شراؤه بأبهظ الأثمان ولكن لم تلمسه الأيدي ولم تبصره الأعين!! وكأن عليه حجر صحي أو معزول داخل قفص زجاجي حتى لا تلوثه الأيدي!! فظل مركوناً وربما تراكم عليه الغبار لأنه لم يفتح!! ولم يطلب للقراءة والاطلاع لذا اعتدنا من خلال معارض الكتاب السنوية في الداخل والخارج أن نبحث عن العناوين المثيرة، وتعبأ في كراتين ثم تنتقل إلى مكتبة المنزل بألوف الريالات.. وقد يقرأ منها كتاب أو كتابان ثم في العام القادم نستقبل عناوين جديدة وهكذا، حتى إننا نجد من يحول مجلس الضيوف إلى مكتبة إضافية للفائض من الكتب والتي لم تجد مكاناً في المكتبة المخصصة.. ويقف أرباب المكتبات على صنفين: فالبعض يزور مكتبته من وقت إلى آخر ويستفيد منها ويطمئن عليها وتبقى محافظة على نظامها وفهرستها.. والصنف الآخر قد يكون أقرب إلى العشوائية في ترتيب وفهرست محتويات مكتبته وقد يكون من الصعوبة الوصول إلى العنوان عند الحاجة وربما يكون هاجراً لها وتتعرض للتلف بسبب زيارة الأطفال لها بلا رقيب حيث إنهم قد يعبثون بشيء منها على غفلة من والدهم.. ومن جهة أخرى فالبعض يقدم خدمة الإعارة لقراءة كتاب خارج المنزل ثم استرجاعه؛ وآخرون قد لا يفرطون بخروج كتاب ولكن يكتفون بعملية التصوير خوفاً من ضياع الكتاب ولا سيما النادر منها، لذا كثيراً ما بقيت المكتبات الخاصة معطلة وهامشية الفائدة وقد سمعنا عن بعض المكتبات القيمة والتي قدمها الورثة هدية لدارة الملك عبدالعزيز أو غيرها من المكتبات في الرياض وجدة ومكة والمدينة وبقية المدن والمحافظات.. وذلك لتعم فائدتها من خلال المكتبات العامة لأكبر شريحة من القراء وكأنه أريد بها وقف ثقافي خيري.
وأنني كمتابع لدور المكتبات العامة لوطننا الغالي ألاحظ ضعفاً في رواد تلك المكتبات وقد لفت نظري هذا من خلال زيارتي إلى محافظة ينبع فقد حاولت في صباح باكر أن أبحث عن مكتبة أقضي فيها جزءاً من وقتي ووصلت إلى مكتبة ينبع العامة وعندما اقتربت منها في حوالي الساعة الحادية عشرة صباحاً بدا لي أنها في إجازة، حيث اعتقدت أن ذلك اليوم الخميس حيث لم ألحظ أيّ دلالة على زائر لهذا الصرح الثقافي، ولكنني تأكدت من خلال ورقة التقويم أن اليوم الأربعاء واقتربت رويداً منها فوجدت باباً صغيراً على سور المكتبة مفتوحاً وسيارتين منزويتين في مظلة جانبية ولم أر أيّ ضجيج.. قررت الدخول للمبنى والذي كان مبنى حكومياً جميلاً مقسماً إلى أجنحة ومساحات هندسية باهرة، وكان الهدوء سيد الموقف فلا تعرف هل دخلت مكتبة ثقافية أم قصر أشباح يشعرك بصمت مطبق كأنك في عالم الأموات.. كتب صامتة وثقافة جامدة وكأنها أصيبت بسكتة دماغية فيبدو أنها في إجازة طويلة وسبات عميق.. قابلت ذلك الموظف المحترم والذي أحسن استقبالي ويبدو أنني قد كسرت الصمت الذي كان يحيط به فحاورته وحاورني وقدم لي كتاباً عن محافظة ينبع ساعدني على الاسترشاد في معرفة جغرافيتها؛ فاطلعت عليه وأعدت الكتاب وشكرته على ذلك.. غادرت المكتبة قبل النداء لصلاة الظهر وأنا أتساءل في نفسي لماذا هذا الوضع؟.. هل نحن أمة لا تقرأ؟.. هل سرق (الإنترنت) القراءة من الكتاب؟.. هل يصبح الكتاب الورقي من تراث الماضي؟.. ثم ما هي العوامل التي تساعد على زيارة المكتبات؟.
ذهبت بأفكاري إلى طرح حلول لعلها تكون مفاتيح تساعد المكتبات في النهوض بالقراءة وكسر الجمود الذي تعانيه من قلة الزوار والقراء وطرحت ما يلي من الرؤى والأفكار:
أولاً: المكتبات تعاني من ضعف في صناعة الإعلام الخاص بها فلم تسلط الأضواء عليها.. حتى اللوحات المعرفة بها قد تبدو غير كافية.
ثانياً: العاملون والمسؤولون عن المكتبات وصناع القرار لم يطرحوا مسابقات دورية بصورة مستمرة ترصد لها جوائز مغرية كما هو الحال في الأندية الرياضية حتى تكون عامل جذب قوي لزيارة المكتبات.
ثالثاً: إضافة مكتبة مرئية ومسموعة من خلال أفلام وثائقية وعلمية داخل المكتبات.
رابعاً: طرح دورات قصيرة في فن الإنشاء، المقال، الشعر، القصة، الصحافة، داخل هذه المكتبات تحت إشراف كوادر علمية متخصصة.
خامساً: اختيار الموظفين الذين يحملون همّ الأدب والثقافة ولا سيما من يقابلون الزوار لأنها وظيفة تحتاج إلى مبدعين وإلى من لديهم فن التعامل خصوصاً مع فئة الشباب من المرتادين.
سادساً: لا مانع أن يكون هناك متحف صغير له جناح خاص داخل كل مكتبة إلى جانب معرض جانبي للصور الفوتوغرافية والرسوم التشكيلية يتم اختيارها بمواصفات خاصة ويتم تجديدها سنوياً لأن تلك الأنشطة جزء من الثقافة وتكسر الجمود وتشكل عامل جذب للوصول إلى المكتبة مع مرور الأيام.
سابعاً: إحداث بوفيه مصغر داخل كل مكتبة يقدم الشاهي والقهوة والماء بطريقة الخدمة الذاتية إلى جانب توفير الصحف الرياضية لفئة الشباب.
ثامناً: رصد جوائز للزائرين المتميزين والذين تكررت زيارتهم من خلال سجل خاص بذلك مع إعداد معايير مناسبة لهذا الطرح وإتاحة فرصة لإعارة الكتب مقابل تأمين مالي مناسب لأصحاب الحاجة.
تاسعاً: عمل زيارات متكررة لطلاب التعليم العام بمراحله الثلاثة (بنين وبنات) حتى يعرف الطالب والطالبة مكان المكتبة بالمحافظة والمدينة.
عاشراً: يخصص جزء من المكتبة ولا سيما في المباني الحكومية للنساء ويكون تحت إشراف نسائي حتى تتاح للمرأة الراغبة في الاطلاع سهولة الوصول للمكتبة والاستفادة الكاملة من محتوياتها وتستقبل وفود المدارس النسائية.
الحادي عشر: وضع المكتبات ضمن هدف اللجنة السياحية في كل منطقة ومحافظة وأن تكون ضمن الكتيب الإرشادي إلى جانب عمل دعاية تلفزيونية ضمن القنوات المحلية وإعداد برنامج أسبوعي (يوم في مكتبة) ضمن القناة الثقافية ولا سيما أن المكتبات تحت مظلة وزارة الثقافة والإعلام.
الثاني عشر: الأمل أن يكون في كل محافظة ومنطقة مبنى حديث يحتضن المكتبة العامة ويفضل أن يكون في مكان مناسب ويحتوي من خلال تصميمه قاعة للمحاضرات ومسرح مصغر وحديقة محيطة بالمبنى تدخل التفاؤل والبهجة في روح الزائر والعامل.. إلى جانب توفير كل ما يساعد على القراءة مثل العدسات المكبرة وخاصة في قسم المخطوطات وأماكن القراءة المنفردة.
وقبل الختام أقترح أن يتم دمج الأندية الأدبية والثقافية في مبنى واحد مع المكتبات العام لأن هناك ارتباطاً كبيراً بين التوجهات والمخارج والأهداف ويطلق عليها (المراكز الأدبية والثقافية) وأرى أن يكون هناك فصل سنوي تقوم به المكتبات من خلال توزيع بعض مطبوعات وزارة الثقافة والإعلام على المهتمين بالشأن الأدبي والثقافي.